ولما انقضى ما علق بالمشيئة مما كان ممكنا له في الماضي وغيره، عطف عليه ما يجزه له مما كشف من أمرهم في المستقبل فقال مؤكدا لاستبعاد من يستبعد ذلك منهم أو ممن شاركهم في مرض القلب من غيرهم فقال في جواب قسم محذوف دل عليه باللام: ولتعرفنهم أي: بعد هذا الوقت معرفة تتجدد بحسب تجدد أقوالهم مستمرة باستمرار ضمائرهم الخبيثة وإسرارهم في لحن القول أي: الصادر منهم، ولحنه فحواه؛ أي معناه. ومذهبه [و] ما يدل عليه ويلوح به من مثله عن حقائقه إلى عواقبه وما "يؤل إليه" أمره مما يخفى على غيرك، [ ص: 254 ] وقال : هو ما تنحو إليه بلسانك؛ أي: تميل إليه ليفطن لك صاحبك وتخفيه على من لم يكن له عهد بمرادك، وعلى القول بالتحقيق فلحن القول ما يبدو من غرض الكلام وخفيات الخطاب وسياق اللفظ وهيئة السحنة حال القول وإن لم يرد المتكلم أن يظهره ولكنه على الأغلب يغلبه حالا، فلا يقدر على كل كتمه وإن كان في تكليمه معتمدا على ذلك، وحقيقته حال يلوح عن السر وإظهار كلام الباطن يكاد يناقض كلام اللسان بحال خفية ومعان يقف عليها باطن التخاطب [و] قال: ابن برجان
ولقد لحنت لكم لكيما تفقهوا واللحن يعرفه ذوو الألباب
وقال [آخر]:عيناك قد دلتا عيناي منك على أشياء لولاهما ما كنت أدريها
ولما أخبر سبحانه أنه يعلم ظواهرهم وبواطنهم، وأنه يجليهم لنبيه صلى الله عليه وسلم في صور ما يخفونه من أقوالهم، وأكد ذلك لعلمه بشكهم فيه، واجههم بالتبكيت زيادة في إهانتهم عاما لغيرهم إعلاما بأنه محيط بالكل فقال عاطفا على ما تقديره: فالله يعلم أقولكم: والله أي: مما له من صفات الكمال يعلم أعمالكم كلها الفعلية والقولية جليها وخفيها، علما ثابتا غيبيا وعلما راسخا شهوديا يتجدد [ ص: 256 ] بحسب تجددها مستمرا باستمرار ذلك.