ولما أزال شبهة النسبة إلى الغلول بحذافيرها؛ وأثبت ما له من أضدادها؛ من معالي الشيم؛ وشمائل الكرم؛ صوب إلى شبهة قولهم: "لو كان رسولا ما انهزم أصحابه عنه"؛ [ ص: 117 ] فقال (تعالى): أولما ؛ أي: أتركتم ما أرشدكم إليه الرسول الكريم؛ الحليم؛ العليم؛ الحكيم؟ ولما أصابتكم ؛ أي: في هذا اليوم مصيبة ؛ لمخالفتكم لأمره؛ وإعراضكم عن إرشاده؛ قد أصبتم مثليها ؛ أي: في "بدر"؛ وأنتم في لقاء العدو؛ وكأنما تساقون إلى الموت؛ على الضد مما كنتم فيه في هذه الغزوة؛ وما كان ذلك إلا بامتثالكم لأمره؛ وقبولكم لنصحه؛ قلتم أنى ؛ من أين؟ وكيف أصابنا هذا ؟ أي: بعد وعدنا النصر؛ قل هو من عند أنفسكم ؛ أي: لأن الوعد كان مقيدا بالصبر؛ والتقوى؛ وقد تركتم المركز؛ وأقبلتم على الغنائم قبل الأمر به؛ وعن - رضي الله (تعالى) عنه - أن ذلك باختيارهم الفداء يوم علي "بدر"؛ الذي نزل فيه: لولا كتاب من الله سبق لمسكم فيما أخذتم عذاب عظيم ؛ وأباح لهم - سبحانه وتعالى - الفداء بعد أن عاتبهم؛ وشرط عليهم إن اختاروه أن يقتل منهم في العام المقبل بعد الأسرى؛ فرضوا؛ وقالوا: نستعين بما نأخذه منهم عليهم؛ ثم نرزق الشهادة.
ثم علل ذلك بقوله: إن الله ؛ أي: الذي لا كفؤ له؛ على كل شيء ؛ أي: من النصر؛ والخذلان؛ ونصب أسباب كل منهما؛ قدير [ ص: 118 ] وقد وعدكم بذلك - سبحانه وتعالى - في العام الماضي؛ حين خيركم فاخترتم الفداء؛ وخالف من خالف منكم الآن؛ فكان ذكر المصيبة التي كان سببها مخالفة ما رتبه - صلى الله عليه وسلم -؛ بعد ختم الآية التي قبلها بالتذكير بما كانوا عليه من الضلال؛ على ما ترى من البلاغة.