ولما كان الإهلاك يوجب أسفا على المهلكين ولو من بعض الناس ولا سيما إذا كانوا جمعا فكيف إذا كانوا أهل مملكة ولا سيما إذا كانوا في نهاية الرئاسة، أخبر بأنهم كانوا لهوانهم عنده سبحانه وتعالى على خلاف ذلك، فسبب عما مضى قوله: فما بكت عليهم استعارة لعدم الاكتراث لهم لهوانهم السماء والأرض وإذا لم يبك السكن فما ظنك بالساكن الذي هو بعضه، روى في مسنده أبو يعلى في جامعه -وقال: غريب والترمذي والربذي والرقاشي يضعفان [ ص: 30 ] في الحديث- عن رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: أنس وتلا هذه الآية. وقال «ما من مسلم إلا وله في السماء بابان، باب يصعد منه عمله، وباب ينزل منه رزقه، فإذا مات بكيا عليه» : إن المؤمن إذا مات بكى مصلاه من الأرض ومصعد عمله من السماء. علي رضي الله عنه
ولما جرت العادة بأن العدو قد يستمهله عدوه في بعض الأوقات لمثل وصية وقضاء حاجة فيمهله، أخبر تتميما لعدم الاكتراث بهم أنهم كانوا دون ذلك فقال: وما كانوا ولما كان هذا لكونه خبرا عنهم بعد مضيهم المقصود منه تحذير من بعدهم فقط، لم يذكر التقييد بذلك الوقت بإذن ونحوها دلالة على أن ما كانوا فيه من طويل الإمهال كان كأنه لم يكن لعظم هذا الأخذ بخلاف ما مر في الحجر من التخويف من إنزال الملائكة عليهم، فإن [تقييد] عدم الإنظار بذلك الوقت لرد السامعين عن طلب إنزالهم فقال تعالى: منظرين أي: ممهلين عما أنزلنا بهم من المصيبة من ممهل [ما] لحظه فما [ ص: 31 ] فوقها ليتداركوا بعض ما فرطوا فيه وينظروا في شيء مما يهمهم بل كان أخذهم لسهولته علينا في أسرع من اللمح، لم يقدروا على دفاع، فنالهم عذاب الدنيا وصاروا إلى عذاب الآخرة فخسروا الدارين وما ضروا غير أنفسهم.