ولما كان الجمال بالمال؛ لا سيما مع الإنفاق؛ من أعظم المرغبات في الموالاة؛ وكانت هذه الآية قد صيرت جميله قبيحا؛ وبذوله شحيحا; قال - سبحانه وتعالى - - مكررا التنبيه على مكر ذوي الأموال؛ والجمال؛ الذين يريدون إيقاع الفتنة بينهم من اليهود؛ والمنافقين؛ ليضمحل أمرهم؛ وتزول شوكتهم: يا أيها الذين آمنوا ؛ أي: إيمانا صحيحا؛ مصدقا ادعاؤه بالعمل الصالح الذي من أعظمه الحب في الله؛ والبغض في الله؛ لا تتخذوا بطانة ؛ أي: من تباطنونهم بأسراركم؛ وتختصونهم بالمودة [ ص: 38 ] والصفاء؛ ومبادلة المال؛ والوفاء؛ من دونكم ؛ أي: ليسوا منكم أيها المؤمنون؛ وعبر بذلك إعلاما بأنهم يهضمون أنفسهم وينزلونها عن علي درجتها بموادتهم؛ ثم وصفهم تعليلا للنهي بقوله: لا يألونكم خبالا ؛ أي: يقصرون بكم من جهة الفساد؛ ثم بين ذلك بقوله على سبيل التعليل أيضا: ودوا ما عنتم ؛ أي: تمنوا مشقتكم.
ولما كان هذا قد يخفى؛ بينه بقوله - معللا -: قد بدت البغضاء من أفواههم ؛ أي: هي بينة في حد ذاتها؛ مع اجتهادهم في إخفائها؛ لأن الإنسان إذا امتلأ من شيء غلبه بفيضه؛ ولكنكم لحسن ظنكم؛ وصفاء نياتكم؛ لا تتأملونها؛ فتأملوا؛ ثم أخبر عن علمه - سبحانه - قطعا؛ وعلم الفطن من عباده بالقياس ظنا؛ بقوله: وما تخفي صدورهم أكبر ؛ مما ظهر على سبيل الغلبة؛ ثم استأنف على طريق الإلهاب والتهييج قوله: قد بينا ؛ أي: بما لنا من العظمة؛ لكم ؛ أي: بهذه الجمل؛ الآيات ؛ أي: الدالات على سعادة الدارين؛ ومعرفة الشقي؛ والسعيد؛ والمخالف؛ والمؤالف؛ وزادهم إلهابا بقوله: إن كنتم ؛ أي: جبلة؛ وطبعا؛ تعقلون ؛