ولما كان العجب - فكيف بالعجاب؟! - جديرا بأن يلزم صاحبه ليزداد الناظر عجبا؛ بين أنهم فعلوا خلاف ذلك؛ تصديقا لما نسبهم إليه من الشقاق؛ فقال: وانطلق ؛ ولما كان ما فعلوه لا يفعله عاقل؛ فربما ظن السامع أن المنطلق منهم أسقاط من الناس من غيرهم؛ قال: الملأ [ ص: 330 ] أي: الأشراف؛ وقال: منهم ؛ أي: لا من غيرهم؛ فكيف بالأسقاط منهم؟! وكيف بغيرهم؟! ثم حقق الانطلاق؛ مضمنا له القول؛ لأنه من لوازمه؛ بقوله: أن امشوا ؛ أي: قائلا كل منهم لذلك؛ آمرا لنفسه؛ ولصاحبه؛ بالجد في المفارقة حالا؛ ومقالا؛ وإذا وقف على "أن"؛ ابتدئ بكسر الهمزة؛ لأن أصله: "امشيوا"؛ فالثالث مكسور؛ كما أنه لو قيل لامرأة: "اغزي"؛ يبتدأ بالضم؛ لأن الأصل: "اغزوي"؛ كـ "اخرجي"؛ واصبروا على آلهتكم ؛ أي: لزوم عبادتها؛ وعدم الالتفات إلى ما سواها؛ قال القشيري: وإذا تواصى الكفار فيما بينهم بالصبر على آلهتهم؛ فالمؤمنون أولى بالصبر على عبادة معبودهم؛ والاستقامة في دينهم.
ولما كان كل منهم قد أخذ ما سمعه من النبي - صلى الله عليه وسلم - قلبه؛ وسلب لبه؛ على ما أشار إليه "ذي الذكر بل"؛ فهو خائف من صاحبه أن يكون قد استحال عن اعتقاد التعدد بما يعرف من تزحزحه في نفسه؛ أكدوا قولهم: إن هذا ؛ أي: الصبر على عبادة الآلهة؛ لشيء يراد ؛ أي: هو أهل للإرادة؛ فهو أهل لئلا ينفك عنه؛ [ ص: 331 ] أو الذي يدعو إليه شيء يريده هو؛ ولا نعلم نحن ما هو؛ على ما نحن عليه من الحذق؛ فهو شيء لا يعلم في نفسه.