ولما وبخهم على ذلك من جهلهم نفى سبحانه وتعالى عن إبراهيم عليه الصلاة والسلام ما ادعاه عليه كل منهم طبق ما برهنت عليه الآية الأولى، ونفى عنه كل شرك أيضا، وأثبت أنه كان مائلا عن كل باطل منقادا مع الدليل إلى كل حق بقوله سبحانه وتعالى: ما كان إبراهيم يهوديا أي كما ادعى اليهود ولا نصرانيا كما ادعى النصارى - لما تقدم من الدليل ولكن كان حنيفا مسلما وقد بين معنى الحنيف عند قوله تعالى: قل بل ملة إبراهيم حنيفا بما يصدق على المسلم، وقال الإمام العارف ولي الدين الملوي في كتابه حصن النفوس في السؤال في القبر: واليهودي أصله من آمن بموسى عليه الصلاة والسلام والتزم أحكام التوراة، والنصراني من آمن بعيسى عليه الصلاة والسلام والتزم أحكام الإنجيل، ثم صار اليهودي من كفر بما أنزل بعد موسى عليه الصلاة والسلام، والنصراني من كفر بما أنزل بعد عيسى عليه الصلاة والسلام، والحنيف المائل عن كل دين باطل، وإن شئت قلت: هو المنقاد لله سبحانه وتعالى وحده بقلبه ولسانه وجميع جوارحه المخلص عمله لله عز وجل، والمسلم [ ص: 453 ] المطيع لأوامر الله سبحانه وتعالى في أي كتاب أنزلت مع أي رسول أوردت، انتهى. قال النبي صلى الله عليه وسلم لمن قال له: قل لي في الإسلام قولا لا أسأل عنه أحدا غيرك "قل: آمنت بالله ثم استقم"
ثم خص بالنفي من عرفوا بالشرك مع الصلاح لكل من داخله شرك من غيرهم كمن أشرك بعزير والمسيح عليهما الصلاة والسلام فقال: وما كان من المشركين وفي ذكر وصفي الإسلام والحنف تعريض لهم بأنهم في غاية العناد والجلافة واليبس في التمسك بالمألوفات وترك ما أتاهم من واضح الأدلة وقاطع الحجج البينات.