ولما كان كأنه قيل: فما تقول؟ اهدنا إلى سبيل الحق في ذلك، أرشد إلى أمر التبني إشارة إلى أنه هو المقصود في هذه السورة لما يأتي بعد من آثاره التي هي المقصودة بالذات بقوله: ادعوهم أي الأدعياء [ ص: 288 ] لآبائهم أي إن علموا ولدا قالوا: زيد بن حارثة; ثم علله بقوله: هو أي هذا الدعاء أقسط أي أقرب إلى العدل من وإن كان إنما هو لمزيد الشفقة على المتبنى والإحسان إليه التبني عند الله أي الجامع لجميع صفات الكمال، فلا ينبغي أن يفعل في ملكه إلا ما هو أقرب إلى الكمال، وفي هذا بالنسبة إلى ما مضى بعض التنفيس عنهم، وإشارة إلى أن ذلك التغليظ بالنسبة إلى مجموع القولين المتقدمين.
ولما كانوا قد يكونون مجهولين، تسبب عنه قوله: فإن لم تعلموا آباءهم لجهل أصلي أو طارئ فإخوانكم في الدين إن كانوا دخلوا في دينكم ومواليكم أي أرقاؤكم مع بقاء الرق أو مع العتق على كلتا الحالتين، ولذا قالوا: سالم مولى أبي حذيفة. ولما نزل هذا قال النبي صلى الله عليه وسلم: - أخرجه الشيخان عن "من ادعى إلى غير أبيه وهو يعلم فالجنة عليه حرام" سعد بن أبي وقاص رضي الله عنهما. وأبي بكرة
ولما كانت عادتهم الخوف مما سبق من أحوالهم على النهي لشدة ورعهم، أخبرهم أنه تعالى أسقط عنهم ذلك لكونه خطأ، وساقه على وجه يعم ما بعد النهي [أيضا] فقال: وليس عليكم جناح أي [ ص: 289 ] إثم وميل واعوجاج، وعبر بالظرف ليعيد أن الخطأ لا إثم فيه بوجه، ولو عبر بالباء لظن أن فيه إثما، ولكنه عفا عنه فقال: فيما أخطأتم به أي من الدعاء بالبنوة والمظاهرة أو في شيء قبل النهي أو بعده، ودل قوله: ولكن ما أي الإثم فيما تعمدت قلوبكم على زوال الحرج أيضا فيما وقع بعد النهي على سبيل النسيان أو سبق اللسان، ودل تأنيث الفعل على أنه لا يعتمده بعد البيان الشافي إلا قلب فيه رخاوة الأنوثة، ودل جمع الكثرة على عموم الإثم إن لم ينه المتعمد.
ولما كان هذا الكرم خاصا بما تقدمه، عم سبحانه بقوله: وكان الله أي لكونه لا أعظم منه ولا أكرم منه غفورا رحيما أي والإكرام بإيتاء الرغائب. من صفته الستر البليغ على المذنب النائب، والهداية العظمية للضال الآئب،