فكأنه قيل: فما قال حين أجابه ربه سبحانه وتعالى؟ فقيل: قال يستثبت بذلك ما يزيده طمأنينة ويقينا وسكينة رب أي أيها المحسن إلي.
ولما كان مطلوبه ولدا يقوم مقامه فيما هو فيه من النبوة التي لا يطيقها إلا الذكور الأقوياء الكلمة، وكانت العادة قاضية بأن ولد الشيخ يكون ضعيفا لا سيما إن كان حرثه مع الطعن في السن في أصله غير قابل للزرع أحب أن يصرح له بمطلوبه فقال: أنى أي كيف ومن أين يكون لي وعبر بما تدور مادته على الغلبة والقوة زيادة في الكشف فقال: غلام وفي تعبيره به في سياق الحصور دليل على أنه في غاية ما يكون من صحة الجسم وقوته اللازم منه شدة الداعية إلى النكاح، وهو مع ذلك يمنع نفسه منه منعا زائدا على الحد، لما عنده من غلبة شهود اللازم منه الإقبال على العبادة بكليته والإعراض عن كل ما يشغل عنها جملة لا سيما النكاح، [ ص: 368 ] بحيث يظن أنه لا إرب له فيه، وهذا الموافق للتعبير الأول للحصور في القاموس، وهو الذي ينبغي ألا يعرج على غيره لأنه بناء مبالغة من متعد، ولأنه أمدح له صلى الله عليه وسلم، ومهما دار الشيء على صفة الكمال في الأنبياء عليهم السلام وجب أن لا يعدل عنه، وما ورد - كما يأتي إن شاء الله تعالى في سورة مريم عليها السلام -
"ذكره مثل هذه القذاة" فقد ضعفوه، وعلى تقدير صحته فيكون ذلك إخبارا عن أنه لما أعرض عنه رأسا ضعف ما معه لذلك، فهو إخبار عن آخر أمره الذي أدت إليه عزيمته، والآية مشيرة إلى ما اقتضته خلقته وغريزته وإن كان الجمع لكمال الوجود الإنساني بالنكاح أكمل كما وقع لنبينا صلى الله عليه وسلم ويقع أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: لعيسى عليه السلام بعد نزوله وقد أي والحال أنه قد بلغني الكبر إلى حد لا يولد فيه عادة وامرأتي عاقر قال من العقر وهو البلوغ إلى حد انقطاع النسل هرما - انتهى; كذا قال، وآية سورة مريم تدل على أن المعنى أنها لم تزل عقيما، وعليه يدل كلام أهل اللغة، قال في القاموس في الراء: العقرة وتضم: العقم، وقد [ ص: 369 ] عقرت كعني فهي عاقر، ورجل عاقر وعقير: لا يولد له ولد، والعقرة كهمزة: خرزة تحملها المرأة لئلا تلد، وقال في الميم: العقم بالضم: هزمة تقع في الرحم فلا تقبل الولد، عقمت كفرح ونصر وكرم وعني، ورحم عقيم وامرأة عقيم ورجل عقيم: لا يولد له، وقال الإمامان الحرالي: في ديوانه أبو عبد الله القزاز في واعيه: والعقر بضم العين وسكون القاف مصدر العاقر من النساء وهي التي لا تحمل من غير داء ولا كبر، يقال: امرأة عاقر، وبها عقر، سميت بذلك كأن في رحمها عقرا يمنعها من الولادة، وقال وعبد الحق الإمام أبو غالب "ابن التياني" في كتابه الموعب صاحب [ تلقيح ] العين: العقر مصدر العاقر من النساء وهي التي لا تحمل من غير داء ولا كبر، لكن خلقة، ثم قال وتعقرت: إذا ولدت ثم أمسكت - والله الموفق. [ ص: 370 ] ثم وصل به قوله: قال كذلك أي مثل هذا الفعل الجليل البعيد الرتبة. ولما كان استنباؤه عن القوة والكمال لا عن الخلق عبر سبحانه في تعليل ذلك بالفعل بخلاف ما يأتي في قصة مريم عليها السلام فقال: الله يفعل ما يشاء لأنه المحيط بكل شيء قدرة وعلما فكأنه قيل: قد قرت عينه فما قال؟