ولما أتم سبحانه تهديد الفجار، على هذه الأوزار، أتبعه ترغيب الأبرار، [ ص: 429 ] في الإقبال على الله العزيز الغفار، فقال: إلا من تاب أي رجع إلى الله عن شيء مما كان فيه من هذه النقائص وآمن أي أوجد الأساس الذي لا يثبت عمل بدونه وهو الإيمان، أو أكد وجوده وعمل ولما كان الرجوع عنه أغلظ، أكد فقال: عملا صالحا أي مؤسسا على أساس الإيمان; ثم زاد في الترغيب بالإتيان بالفاء ربطا للجزاء بالشرط دليلا على أنه سببه فقال: فأولئك أي العالو المنزلة يبدل الله وذكر الاسم الأعظم تعظيما للأمر وإشارة إلى أنه سبحانه لا منازع له سيئاتهم حسنات أي بندمهم على تلك السيئات، لكونها ما كانت حسنات فيكتب لهم ثوابها بعزمهم الصادق على فعلها لو استقبلوا من أمرهم ما استدبروا، بحيث إذا رأى أحدهم تبديل سيئاته بالحسنات تمنى لو كانت سيئاته أكثر! وورد أن بعضهم يقول: رب! إن لي سيئات ما رأيتها - رواه في أواخر الإيمان من صحيحه عن مسلم رضي الله عنه رفعه. أبي ذر
ولما كان هذا أمرا لم تجر العادة بمثله، أخبر أنه صفته تعالى أزلا وأبدا، فقال مكررا للاسم الأعظم لئلا يقيد غفرانه شيء مما مضى: وكان الله أي الذي له الجلال والإكرام على الاطلاع غفورا [ ص: 430 ] أي ستورا لذنوب كل من تاب بهذا الشرط رحيما له بأن يعامله بالإكرام كما يعامل المرحوم فيعطيه مكان كل سيئة حسنة; روى البخاري عن رضي الله عنهما أن هذه الآية نزلت في أهل الشرك، لما نزل صدرها قال أهل ابن عباس مكة : فقد عدلنا بالله، وقتلنا النفس التي حرم الله، وأتينا الفواحش، فأنزل الله إلا من تاب - إلى - رحيما .
وروي عنه أيضا أنه قال: هذه مكية نسختها آية مدنية التي في سورة النساء. أي على تقدير كونها عامة في المشرك وغيره; وروي عنه أنه قال في آية النساء: نزلت في آخر ما نزل، ولم ينسخها شيء.
وقد تقدم في سورة النساء الجواب عن هذا، وكذا عنه في التفسير: إن ناسا من أهل الشرك كانوا قد قتلوا وأكثروا وزنوا وأكثروا، فأتوا البخاري محمدا صلى الله عليه وسلم فقالوا: إن الذي تقول وتدعو إليه لحسن لو تخبرنا أن لما عملنا كفارة، فنزل والذين لا يدعون مع الله إلها آخر ولا يقتلون النفس التي حرم الله إلا بالحق ولا يزنون ونزل يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله . ما رواه