ولما ذكر أفعالهم وأقوالهم فيما بينهم وبين الخلق وقدمه، والخالق وأخره، لأن وجوبه يكون بعد ذلك، ذكر أحوالهم في [ ص: 424 ] أموالهم، نظرا إلى قول الكفرة أو يلقى إليه كنـز وهداية إلى طريق الغنى لأنه ما عال من اقتصد، فقال: والذين إذا أنفقوا أي للخلق أو الخالق في واجب أو مستحب لم يسرفوا أي يجاوزوا الحد في النفقة بالتبذير، فيضيعوا الأموال في غير حقها فيكونوا إخوان الشياطين الذين هم من النار ففعلهم فعلها ولم يقتروا أي يضيقوا فيضيعوا الحقوق; ثم بين العدل بقوله: وكان أي إنفاقهم بين ذلك أي الفعل الذي يجب إبعاده.
ولما علم أن ما بين الطرفين المذمومين يكون عدلا، صرح به في قوله: قواما أي عدلا سواء بين الخلقين المذمومين: الإفراط والتفريط، تخلقا بصفة قوله تعالى ولو بسط الله الرزق لعباده لبغوا في الأرض ولكن ينـزل بقدر ما يشاء وهذه صفة أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم ورضي عنهم - كانوا لا يأكلون طعاما للتنعم واللذة ولا يلبسون ثوبا للجمال والزينة، بل كانوا يأكلون ما يسد الجوعة، ويعين على العبادة، ويلبسون ما يستر العورة، ويكن من الحر والقر، [ ص: 425 ] قال رضي الله عنه: كفى سرفا أن لا يشتهي الرجل شيئا إلا اشتراه فأكله . عمر