ولما بين تعالى أفعال هؤلاء الرجال التي أقبلوا بها عليه، وأعرضوا عما عداه، بين غايتهم فيها فقال: ليجزيهم أي يفعلون ذلك ليجزيهم الله أي في دار كرامته بعد البعث بعظمته وجلاله، وكرمه. وجماله أحسن ما عملوا أي جزاءه. ويغفر لهم سيئه ويزيدهم من فضله على العدل من الجزاء ما لم يستحقوه - كما هي عادة أهل الكرم.
ولما كان التقدير: فإن الله لجلاله، وعظمته وكماله، لا يرضى أن يقتصر في جزاء المحسن على ما يستحقه فقط، عطف عليه بيانا لأن قدرته وعظمته لا حد لها قوله: والله أي [ ص: 282 ] الذي لا كفؤ له فلا اعتراض عليه يرزق من يشاء ولما كان المعنى: رزقا يفوق الحد، ويفوت العد، عبر عنه بقوله: بغير حساب فهو كناية عن السعة، ويجوز أن يكون مع السعة التوفيق، فيكون بشارة بنفي الحساب في الآخرة أيضا أصلا ورأسا، لأن ذلك المرزوق لم يعمل ما فيه درك عليه فلا يحاسب، أو يحاسب ولا يعاقب; فيكون المراد بنفي الحساب نفي عسره وعقابه، ويجوز أن يزاد الرزق كفافا، وقد ورد أنه لا حساب فيه; روى من عند ابن كثير بسنده عن ابن أبي حاتم رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أسماء بنت يزيد . إذا جمع الله الأولين والآخرين يوم القيامة جاء مناد فنادى بصوت يسمع الخلائق: سيعلم أهل الجمع من أولى بالكرم، ليقم الذين لا تلهيهم تجارة ولا بيع عن ذكر الله، فيقومون وهم قليل، ثم يحاسب سائر الخلائق