ولما كان من أصل رحمه الله أن الاستثناء المتعقب للجمل المتواصلة المتعاطفة بالواو عائد إلى الجميع سواء كانت من جنس أو أكثر إلا إذا منعت قرينة، أعاد الاستثناء هنا إلى الفسق ورد الشهادة دون الحكم بالجلد، لأن من تمام التوبة الاستسلام للحد والاستحلال منه، ولقرينة كونه حق آدمي وهو لا يسقط بالتوبة، في قوله تعالى: الشافعي إلا الذين تابوا أي رجعوا عما وقعوا فيه من القذف وغيره وندموا عليه وعزموا على أن لا يعودوا كما بين في البقرة في قوله تعالى إلا الذين تابوا وأصلحوا وبينوا وأشار إلى أن الجلد لا يسقط بالتوبة بقوله مشيرا بإدخال الجار إلى أن قبولها لا يتوقف على استغراقها الزمان الآتي: من بعد ذلك أي الأمر الذي أوجب إبعادهم وهو الرمي [ ص: 216 ] والجلد، فإن التوبة لا تغير حكم الرامي في الجلد، وإنما تغيره في رد الشهادة وما تسببت عنه وهو الفسق، وأشار إلى شروط التوبة بقوله: وأصلحوا أي بعد التوبة بمضي مدة يظن بها حسن الحال، وهي سنة يعتبر بها حال التائب بالفصول الأربعة التي تكشف الطباع.
ولما كان استثناؤهم من رد الشهادة والفسق، فكان التقدير: فاقبلوا شهادتهم ولا تصفوهم بالفسق، علله بقوله: فإن الله أي الذي له صفات الكمال غفور أي ستور لهم ما أقدموا عليه لرجوعهم عنه رحيم أي يفعل بهم من الإكرام فعل الراحم بالمرحوم في قبول الشهادة.