ولما كان ذلك موجبا للسؤال، عن حال الفريقين: المهدي والضال، أجاب عن ذلك ببيان جميع فرق الضلال، لأن لهذه السورة أتم نظر إلى يوم الجمع الذي هو مقصود السورة التي قبلها، فقصد إلى استيعاب الفرق تصويرا لذلك اليوم بأليق صورة، وقرن بكل من فريقي أهل الكتاب موافقة في معناه فقال: إن الذين آمنوا أي من أي فرقة كانوا، وعبر بالفعل ليشمل الإقرار باللسان، الذي هو أدنى وجوه الإيمان والذين هادوا أي انتحلوا اليهودية، على أي حال كانوا من إيمان أو كفران.
ولما كان اليهود عبدوا الأصنام متقربين بها إلى النجوم [ ص: 24 ] كما مضى في المائدة، أتبعهم من شابهوه فقال: والصابئين ثم تلا بثاني فريقي أهل الكتاب فقال: والنصارى ثم أتبعهم من أشبهه بعض فرقهم في قولهم بإلهين اثنين فقال: والمجوس وهم عبدة النار; ثم ختم بأعم الكل في الضلال كما فتح بأعمهم في الهدى فقال: والذين أشركوا لشموله كل شرك حتى الأصغر من الربا وغيره إن الله أي الملك الأعظم الذي له الملك كله وهو أحكم الحاكمين يفصل بينهم يوم القيامة فيجازي كلا بعمله على ما يقتضيه في مجاري عاداتكم، ويقتص لبعضهم من بعض، ويميز الخبيث منهم من الطيب; ثم علل ذلك بقوله: إن الله أي الجامع لجميع صفات الكمال على كل شيء من الأشياء كلها شهيد فلا شيء إلا وهو به عليم، فهو لذلك على كل شيء قدير، كما مضى بيانه في وسع كل شيء علما في طه، وقال في شرح الأسماء الحسنى: الشهادة رؤية خبرة بطية الشيء ودخلته ممن له غنى في أمره، فلا شهادة إلا بخبرة وغنى ممن له اعتدال في نفسه بأن لا يحيف على غيره، فيكون ميزان عدل بينه وبين غيره، فيحق له أن يكون ميزانا بين كل متداعيين ممن يحيط بخبرة أمرهما الحرالي وكذلك جعلناكم أمة وسطا لتكونوا شهداء على الناس ويكون الرسول عليكم شهيدا وبحسب إحاطة علم الشهيد [ ص: 25 ] ترهب شهادته، ولذلك أرهب شهادة شهادة الله على خلقه قل أي شيء أكبر شهادة قل الله ولما كان أيما الإحاطة والخبرة والرقبة لله كان بالحقيقة لا شهيد إلا هو - انتهى.