ولما ذكر الجاهل؛ ذكر العالم العامل؛ فقال (تعالى): ومن أراد الآخرة ؛ أي: مطلق إرادة - بما أشار إليه التجريد من "كان" -؛ وسعى ؛ أي: وضم إلى نيته العمل بأن سعى؛ لها سعيها ؛ أي: الذي هو لها؛ وهو ما كانت جديرة به من العمل بما يرضي الله؛ بما شرعه في كتابه؛ وسنة رسوله - صلى الله عليه وعلى آله وسلم -؛ لا أي سعي كان؛ بما لم يشهد ظاهر الكتاب والسنة؛ إعلاما بأن النية لا تنفع إلا مع العمل؛ إما بالفعل عند التمكن؛ وإما بالقوة عند عدمه; ثم ذكر شرط السعي الذي لا يقبل إلا به؛ فقال (تعالى): وهو مؤمن ؛ أي: راسخ في هذا الوصف؛ [ ص: 397 ] كما جاء عن بعض السلف: من لم يكن له ثلاث؛ لم ينفعه عمله: إيمان ثابت؛ ونية صادقة؛ وعمل مصيب؛ وتلا هذه الآية؛ وهذا الرسوخ هو الإحسان الذي يدور عليه مقصود السورة; ثم رتب عليه الجزاء؛ فقال: فأولئك ؛ أي: العالو الرتبة؛ لجمعهم الشرائط الثلاثة؛ كان ؛ أي: كونا لا بد منه؛ سعيهم مشكورا ؛ أي: مقبولا؛ مثابا عليه بالتضعيف؛ مع أن بعضهم نفتح عليه أبواب الدنيا؛ كداود؛ وسليمان - عليهما الصلاة والسلام - ونستعمله فيها بما يحب؛ وبعضهم نزويها عنه؛ كرامة له؛ لا هوانا؛ فالحاصل أنها إن وجدت عند الولي لم تشرفه؛ وإن عدمت عنه لم تحقره؛ وإنما الشرف وغيره عند الله بالأعمال.