[ ص: 268 ] ولما كان الإذن إنما هو في بعض الرزق؛ في الحال المذكور؛ فاحتيج إلى معرفته؛ وكانت المباحات أكثر من حصر القليل؛ ليعلم منه الكثير؛ لأن كل ضدين معروفين إجمالا؛ عين أحدهما؛ عرف من تعيينه الآخر؛ فقال (تعالى): المحظورات؛ إنما حرم ؛ أي: الله؛ الذي لا أمر لأحد معه؛ عليكم الميتة ؛ التي بينت على لسان الرسول - صلى الله عليه وعلى آله وسلم - أنها ميتة؛ وإن ذكيت؛ والدم ولحم الخنـزير ؛ خصه بالذكر بعد دخوله في الميتة؛ لاتخاذ النصارى أكله كالدين؛ وما أهل ؛ أي: بأي إهلال كان؛ من أي مهل كان؛ ولما كان مقصود السورة لبيان الكمال؛ كان تقديم غيره لتقبيح حال المعتنى به أولى؛ فقال (تعالى): لغير الله ؛ أي: الملك الأعظم؛ الذي لا ملك سواه؛ به
ولما كان بين لهم أنه رفق بهم؛ فأباح لهم سد الرمق من الحرام؛ فقال (تعالى): الإنسان قد يضطر إلى أكل كل ما يمكن أكله؛ فمن اضطر ؛ أي: كيفما وقع له الاضطرار؛ غير باغ ؛ على مضطر آخر؛ ولا عاد ؛ سد الرمق.
ولما كان الإذن في الأكل من هذه الأشياء حال الضرورة [ ص: 269 ] إنما هو رخصة؛ وكانت الشهوة داعية إلى ما فوق المأذون فيه؛ قال (تعالى): فإن الله ؛ أي: المختص بصفات الكمال؛ بسبب تناوله منها على ما حده؛ غفور رحيم ؛ فمن زاد على ما أذن له فيه فهو جدير بالانتقام.