ولما تم ذلك كان كأنه قيل: فلم يرجعوا ولم يرعووا لبينة ولا رغبة ولا رهبة فأنزلنا بهم أمرنا ولما جاء أمرنا أي: وقت إرادتنا لإهلاك عاد نجينا أي: تنجية عظيمة بما لنا من العظمة هودا والذين آمنوا كائنين معه في الإيمان والنجاة من قومهم فلم يقدروا أن يصلوا إليهم بسوء مع اجتهادهم في ذلك وإعجابهم بقواهم، ويقال: إن الذين آمنوا كانوا أربعة آلاف.
ولما كان سبحانه [بحيث] لا يجب عليه لأحد شيء لأنه لا يقدر أحد أن يقدره حق قدره وإن اجتهد في طاعته، فإن طاعته نعمة منه عليه، أشار إلى ذلك بقوله: برحمة منا تحقيقا لتوكل عبدنا; ولما بين إنجاءهم من قومهم بين إنجاءهم مما أهلكهم به فقال [مكررا ذكر التنجية دلالة على أن عذابهم كان في غاية الفظاعة]: ونجيناهم أي: بما لنا من العظمة، وبين فظاعة ما أهلك به أعداءهم بقوله: من عذاب غليظ أي: أهلكنا به مخالفيهم وهو الريح الصرصر، وهذا أولى من حمله على عذاب الآخرة لما يأتي من قوله: ومن خزي يومئذ كأنهم كانوا إذا رأوا مخايل العذاب قصدوا نبيهم ومن آمن به ليهلكوهم قبلهم كما [ ص: 315 ] صرح به في قصة صالح; والنجاة: السلامة من الهلاك; وحقيقة الغلظة عظم الجثة، فاستعير للعذاب لثقله على النفس وطول مكثه.