ولما كان التقدير: فإنا كنا في أيام الذين خلوا نوقع الرجس بالمكذبين، عطف عليه بيانا لما كان يفعل بالرسل وأتباعهم إذا أهلك الظالمين قوله: ثم ننجي أي: تنجية عظيمة [وننجيهم إنجاء عظيما] وجاء به مضارعا حكاية للأحوال الماضية وتصويرا لها تحذيرا لهم من مثلها وإعلاما بأنه كذلك يفعل بهذا الرسول صلى الله عليه وسلم وأتباعه رضي الله عنهم، وأشار بأداة التراخي إلى طول زمان الابتلاء وعظيم رتبة التنجية، وحذف مقابل الإنجاء لأن المقام بعد آية: [ ص: 214 ] ألا إن أولياء الله ناظر إلى البشارة أكثر من النظر إلى النذارة رسلنا [أي] الذين عظمتهم من عظمتنا والذين آمنوا أي: بالرسل وهم معهم في زمانهم ولو كانوا في أدنى درجات الإيمان تشريفا للرسل فإنهم بصدد الرسوخ بملازمتهم; ثم وصل بذلك تشريفا للراسخين وترغيبا في مثل حالهم قوله: كذلك أي: كما حق علينا إهلاك الكافرين هذا الإهلاك العظيم حقا علينا أي: بما أوجبناه على جنابنا الأعظم ننج المؤمنين أي العريقين في الإيمان [ولو كانوا] بعد موت الرسل [تنجية عظيمة وننجيهم إنجاء عظيما، فالآية من الاحتباك لما أشارت إليه القراءتان بالتخفيف والتثقيل]، أو يكون ذلك بني على سؤال من لعله يقول: هل حقوق النجاة مختص بالرسل ومن معهم؟ فقيل: لا، بل كذلك [أي] الحقوق حقا علينا [على ما لنا من العظمة] ننج المؤمنين في كل زمن وإن لم يكن بين ظهرانيهم رسول، لأن العلة الاتصاف بالإيمان الثابت، فيكون الكاف مبتدأ "وننج" خبره; والنظر: طلب المعنى بالقلب من جهة الذكر كما يطلب إدراك المحسوس بالعين; والغنى: حصول ما ينافي الضر وصفة النقص، ونقيضه الحاجة; والنذر: جمع نذير، من النذارة وهي الإعلام بموضع المخافة ليقع به السلامة; والانتظار: الثبات لتوقع ما يكون من الحال; والمثل إن كان من الجنس فهو ما سد مسد غيره [ ص: 215 ] في الحس، وإن كان من غيره فالمراد ما كان فيه معنى يقرب به من غيره كقربه من جنسه كتشبيه أعمال الكافر بالسراب; والنجاة من النجوة وهي الارتفاع من الهلاك.