ولما ثبت ذلك حثهم عليه لبعده عن السحر بثباته وعدم القدرة على زلزلته فضلا عن إزالته وبأنه شفاء وموعظة وهدى ورحمة فهو جامع لمراتب القرب الإلهي كلها، وزهدهم فيما هم عليه مقبلون من الحطام لمشاركته للسحر في سرعة التحول والتبدل بالفناء والاضمحلال فهو [أهل] للزهد فيه والإعراض عنه فقال تعالى: قل بفضل الله الآية. وحسن كل الحسن تعقيب ذلك لقوله: هو يحيي ويميت لما ذكر من سرعة الرحيل عنه، ولأن القرآن محيي لميت الجهل، من أقبل عليه أفاده العلم والحكمة، فكان للقلب كالحياة للجسد، ومن أعرض عنه صار في ضلال وخبط فوصل إلى الهلاك الدائم، فكان إعراضه عنه مميتا له، وجعل أبو حيان متعلق الباء في "بفضل" محذوفا تقديره: قل ليفرحوا بفضل الله أي الملك الأعلى وبرحمته ثم عطف قصر الفرح على ذلك فبذلك أي الأمر العظيم جدا وحده إن فرحوا يوما ما بشيء فليفرحوا فهما جملتان وقال: إن ذلك أظهر، وفائدة الثانية قصر الفرح على ذلك دون ما يسرون به من الحطام [ ص: 147 ] فإن السعادات الروحانية أفضل من السعادات الجسمانية. ثم صرح بسبب الفرح فقال: هو أي المحدث عنه من الفضل والرحمة خير مما يجمعون أي: من حطام الدنيا وإن كان أشرف ما فيها من المتاع دائبين فيه على تعاقب الأوقات، والعاقل يختار لتعبه الأفضل; والفضل: الزيادة في النعمة; والفرح: لذة في القلب بنيل المشتهى.