ولما ذكر ما يحدث منهم من القول استهزاء، أتبعه تأكيدا لزيادة كفرهم وتوضيحا لتصويره ما يحدث من فعلهم استهزاء من الإيمان والتغامز بالعيون فقال: وإذا وأكد بالنافي فقال: " ما " ولما كان الغرض نفس الإنزال لا تعيين المنزل بني للمفعول قوله: أنـزلت سورة أي طائفة من القرآن نظر بعضهم أي المنافقين إلى بعض أي متغامزين سخرية واستهزاء قائلين: هل يراكم وأكدوا العموم فقالوا: من أحد أي من المؤمنين إن انصرفتم، فإن يشق علينا [سماع مثل هذا، ويشق علينا] أن يطلع المؤمنون على هذا السر منا.
ولما كان انصرافهم عن مثل هذا المقام مستهجنا، أشار إلى شدة قبحه بأداة التراخي فقال: ثم انصرفوا أي: إن لم يكن أحد يراهم، وإن رآهم أحد من المؤمنين تجشموا المشقة وثبتوا; ولما كانوا مستحقين لكل سوء أخبر عنهم في أسلوب الدعاء بقوله: صرف الله أي الذي له الغنى المطلق والكمال كله قلوبهم أي عن الإيمان; ثم علل ذلك بقوله: بأنهم قوم وإن كانوا ذوي قوة على ما يحاولونه فإنهم لا يفقهون أي قلوبهم مجبولة على عدم الفهم لما بها من الغلظة، [ ص: 55 ] وهذا دليل على ختام الآية قبلها، وهاتان الآيتان المختتمتان ب: لا يفقهون التاليتان للأمر بالجهاد في قوله: قاتلوا الذين يلونكم من الكفار الموازي - انفروا خفافا وثقالا الآية. - قد احتوتا مع وجازتهما على حاصل التالية لآية: أوصاف المنافقين انفروا المختتم ما هو العام منها في أهل الحاضرة في قوله: استأذنك أولو الطول منهم ب: يفقهون ثم عند إعادة ذكرهم ب: لا يعلمون وتصويب هاتين الآيتين إلى أهل الحاضرة ظاهر لكونهم ممن يحضر نزول الذكر كثيرا مع احتمالهما للعموم، والختم هنا ب: لا يفقهون أنسب؛ لأن المقام - وهو النظر في زيادة الإيمان بالنسبة إليهم - يقتضي فكرا وتأملا وإن كان بالنظر إلى المؤمنين في غاية الوضوح.