[ ص: 569 ] ولما افتتحت قصتهم بأن المتقين لا يتوقفون في الانتداب إلى الجهاد على أمر جديد ولا استئذان، بل يكتفون بما سبق من عموم الحث عليه والندب إليه فيبادرون إليه الطرف ولا يحاذرون الحتف، وأن من المنافقين من يستأذن في الجهاد جاعلا استئذانه فيه بابا للاستئذان في التخلف عنه، ومنهم من يصرح بالاستئذان في العقود ابتداء من غير تستر، وعقب ذلك بالنهي عن الإعجاب بأموالهم وأولادهم ثم مر في ذكر أقسامهم وما لزمهم من فضائحهم وآثامهم، إلى أن ختم القصة بأن أموالهم إنما هي لفتنتهم لا لرحمتهم، ولمحنتهم لا لمنحتهم، أتبع ذلك بدليله من أنهم لا يتوصلون بها إلى جهاد، ولا يتوسلون إلى دار المعاد، فقال عاطفا على ما أفهمه السياق من نحو أن يقال لأنهم لا يفعلون بها خيرا ولا يكسبون أجرا، أو بانيا حالا من الكاف في "تعجبك": وإذا أنـزلت سورة أي: وقع إنزال قطعة من القرآن.
ولما كان الإنزال يدل على المنزل حتما، فسره بقوله: أن آمنوا بالله أي: الذي له الكمال كله وجاهدوا أي: أوقعوا الجهاد مع رسوله استأذنك أي: في وهم التخلف من لا عذر له أولو الطول أي: أهل الفضل [ ص: 570 ] من الأموال والسعة والثروة في غالب الأحوال منهم وخصهم بالذكر لأن الذم لهم ألزم ولا سيما بعد سماع القرآن، ويجوز أن يكون معطوفا على خبر " أن " في قوله: ذلك بأنهم كفروا بالله ورسوله هذا مع ما تضمن استئذانهم من رذائل الأخلاق ودنايا الهمم المحكي بقوله: وقالوا ذرنا أي: اتركنا ولو على حالة سيئة نكن أي: بما يوافق جبلاتنا مع القاعدين أي: بالعذر المتضمن -لاسيما مع التعبير ب: "ذرنا" الذي مادته تدور على ما يكره دون "دعنا" - لما استأنف به أو بين من قوله: