ولما أخبر تعالى أنه لم يكفهم كفران نعمة الغنى من غير معاهدة حتى ارتكبوا الكفران بمنع الواجب مع المعاهدة، أخبر أنه لم يكفهم أيضا ذلك حتى تعدوه إلى عيب الكرماء الباذلين بصفة حبهم لربهم ما لم يوجبه عليهم، فقال تعالى معبرا بصيغة تصلح لجميع ما مضى من أقسامهم إفهاما لأنهم كلهم كانوا متخلقين بذلك وإن لم يقله إلا بعضهم: الذين يلمزون أي: يعيبون في خفاء المطوعين أي: الذين ليس عليهم واجب في أموالهم فهم يتصدقون ويحبون إخفاء صدقاتهم - بما يشير إليه الإدغام من المؤمنين أي: الراسخين في الإيمان في الصدقات ولما كان ما مضى شاملا للموسر والمعسر، نص على المعسر لزيادة فضله وإشارة إلى أن الحث على قليل الخير كالحث على كثيره فقال عاطفا على: المطوعين والذين لا يجدون أي: من المال إلا جهدهم أي: طاقتهم التي أجهدوا أنفسهم فيها حتى بلغوها.
[ ص: 556 ] ولما كان اللمز هو العيب، وهو ينظر إلى الخفاء كالغمز، ومادته بكل ترتيب تدور على اللزوم، والمعنى: يلزمون المطوعين عيبا ولا يظهرون ذلك لكل أحد وإنما يتخافتون به فيما بينهم، وهو يرجع إلى الهزء والسخرية، سبب عنه قوله: فيسخرون منهم ولما كان لا شيء أعظم للشخص من أن يتولى العظيم الانتقام له من ظالمه، قال: سخر الله أي: وهو الذي له الأمر كله ولا أمر لغيره منهم أي: جازاهم على فعلهم بأهل حزبه، وزادهم قوله: ولهم عذاب أليم أي: بما كانوا يؤلمون القلوب من ذلك، وإذا حوققوا عليه دفعوا عن أنفسهم ما يردعهم عنه بالأيمان الكاذبة، روى في التفسير البخاري أبي مسعود رضي الله عنه قال: لما أمرنا بالصدقة كنا نتحامل، فجاء أبو عقيل بنصف صاع، وجاء إنسان بأكثر منه، فقال المنافقون: إن الله لغني عن صدقة هذا، وما فعل هذا الآخر إلا رياء، فنزلت: الذين يلمزون الآية. عن