ولما كان الموت موتين : حسيا ومعنويا - كما أشير في الأنعام في آية : إنما يستجيب الذين يسمعون والموتى يبعثهم الله أومن كان ميتا فأحييناه كان كأنه قيل : لا فرق في ذلك عندنا بين أموات الإيمان وأموات الأبدان ، فكما أنا فاوتنا بين جواهر الأراضي بخلق بعضها جيدا وبعضها رديئا كذلك فاوتنا بين عناصر الأناسي بجعل بعضها طيبا وبعضها خبيثا ، فالجيد العنصر يسهل إيمانه ، والخبيث الأصل يعسر إذعانه وتبعد استقامته وإيقانه والبلد الطيب أي : الذي طابت أرضه فكانت كريمة منبتة يخرج نباته أي : إذا نزل عليه الماء خروجا كثيرا حسنا [سهلا] غزيرا بإذن أي : بتمكين ربه أي : المربي له بما هيأه له ، [والذي طاب في الجملة ولم يصل إلى الغاية يخرج له نبات دون ذلك ، والخبيث لا يخرج له نبات أصلا بمنع ربه له] والذي خبث أي : حصلت له خباثة في جبلته بكون أرضه سبخة أو نحوها مما لا يهيئه الله تعالى للإنبات لا يخرج أي : نباته إلا أي : حال كونه نكدا أي : قليلا ضعيف المنفعة ، وهو [ ص: 424 ] - مع كونه دالا على أن ذلك ما كان على ما وصف مع استواء الأراضي في الأصل واستواء المياه ونسبتها إلى الأفلاك والنجوم إلا بالفاعل المختار - مثل ضربه – سبحانه - للمؤمن والكافر عند سماعهما للذكر من الكتاب والسنة ، [والآية من الاحتباك] .
ولما استوت هذه الآيات على الذروة من بدائع الدلالات ، كان السامع جديرا بأن يقول : هل تبين جميع هذه الآيات هذا البيان ؟ فقيل : كذلك أي : نعم ، مثل هذا التصريف ، وهو الترديد مع اختلاف الأنحاء لاختلاف الدلالات وإبرازها في قوالب الألفاظ الفائقة والمعاني الرائقة في النظوم المعجزة على وجوه لا تكاد تدخل تحت الحصر : نصرف الآيات أي : كلها. ولما تم ذلك على هذا المنهاج الغريب والمنوال العجيب المذكر بالنعم في أسلوب دال على التفرد وتمام القدرة - كان أنسب الأشياء ختمه بقوله مخصصا بها المنتفع لأنها بالنسبة إلى غيرهم كأنها لم توجد : لقوم يشكرون أي : يوجد منهم الشكر للنعم وجودا مستمرا فلا يشركون بل ينتفعون بما أنعم عليهم به وحده في عبادته وحده ، وينظرون بعقولهم أنه أقدرهم بنعمه على ما هم عاجزون عنه ، فلا يسلبون عنه شيئا من قدرته على بعث ولا غيره فإنهم يزعمون أنهم أهل معالي الأخلاق التي منها أنه ما جزاء الإحسان إلا الإحسان.