فرض الجهاد:
قال الله عز وجل: وقاتلوا في سبيل الله الذين يقاتلونكم (190)الآية..
ولا خلاف بين العلماء في أن القتال كان محظورا قبل الهجرة بقوله: ادفع بالتي هي أحسن إلى قوله: ذو حظ عظيم ، وقوله: فاعف عنهم واصفح ، وقوله: وجادلهم بالتي هي أحسن ، ولا تجادلوا أهل الكتاب . [ ص: 79 ] الآية..، وإذا خاطبهم الجاهلون قالوا سلاما .
وروى عن عمرو بن دينار عن عكرمة ابن عباس وأصحابا له كانت أموالهم عبد الرحمن بن عوف بمكة، فقالوا: يا رسول الله، كنا في عز ومنعة ونحن مشركون، فلما آمنا صرنا أذلاء، فقال: "إني أمرت بالعفو فلا تقاتلوا القوم" ، فلما حوله إلى المدينة انكفوا، فأنزل الله تعالى:
ألم تر إلى الذين قيل لهم كفوا أيديكم وأقيموا الصلاة الآية .. أن
وعن في قوله تعالى: ابن عباس لست عليهم بمصيطر ، وقوله: وما أنت عليهم بجبار ، وقوله: فاعف عنهم واصفح ، وقوله: قل للذين آمنوا يغفروا للذين لا يرجون أيام الله قال:
نسخ هذا كله قوله تعالى: فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم ، وقوله: قاتلوا الذين لا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر .. الآية..
واختلف السلف في أول آية نزلت في القتال، فروي عن وغيره أن قوله تعالى: الربيع ابن أنس وقاتلوا في سبيل الله الذين [ ص: 80 ] يقاتلونكم أول آية نزلت في القتال.
وروي عن رضي الله عنه أنه قال: أول آية نزلت في القتال قوله تعالى: أبي بكر الصديق
أذن للذين يقاتلون بأنهم ظلموا الآية ..
وقال آخرون: قوله تعالى: وقاتلوا في سبيل الله أول آية نزلت في إباحة قتال من قاتلهم، والثانية نزلت في الإذن بالقتال عامة لمن قاتلهم، ومن لم يقاتلهم من المشركين .
فقال أول آية نزلت في الإذن بالقتال في المدينة قوله تعالى: الربيع بن أنس: وقاتلوا في سبيل الله الذين يقاتلونكم ، فكان النبي عليه السلام بعد ذلك يقاتل من قاتله من المشركين ويكف عمن كف عنه إلى أن أمر بقتال الجميع، وهو مثل قوله تعالى:
فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم ..
ويحتمل أن يقال إن قوله: الذين يقاتلونكم لم يرد به حقيقة القتال، فإن جواز دفع المقاتل عن نفسه ما كان محرما قط، حتى يقال إنه أذن فيه بعد التحريم، وإنما المراد به الذين يقاتلونكم دينا، ويرون ذلك جائزا اعتقادا، ولم يرد به حقيقة القتال.
وقال آخرون: نزلت هذه الآية في صلح الحديبية، فإنه صلى الله عليه وسلم لما انصرف من صلح الحديبية إلى المدينة، حين صده المشركون [ ص: 81 ] عن البيت، صالحهم على أن يرجع عامه القابل، ويخلوا له مكة ثلاثة أيام، فلما كان في العام القابل، تجهز رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه لعمرة القضاء، وخافوا أن لا تفي لهم قريش، وأن يصدوهم عن البيت ويقاتلونهم، وكره أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم قتالهم في الشهر الحرام في الحرم، فأنزل الله تعالى:
وقاتلوا في سبيل الله الذين يقاتلونكم يعني: قريشا الذين صالحوهم، ولا تعتدوا فنبذوا في الحرم بالقتال، ودل عليه ظاهر ما بعده وهو قوله:
واقتلوهم حيث ثقفتموهم وأخرجوهم من حيث أخرجوكم والفتنة أشد من القتل يعني: أن شركهم بالله عز وجل، أعظم من قتلكم إياهم في الحرم، والذي كان منهم من تعذيب من أسلم وظفروا به، ليفتنوهم عن الدين، أعظم من قتالكم إياهم في الشهر الحرام.
وقال: وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة ويكون الدين لله . معناه: حتى لا يكون الشرك الذي هو باعث على الفتنة، ويكون الدين كله لله، ولذلك لم يقبل العلماء الجزية من وثنيي العرب، فإن الله تعالى قال في حقهم: [ ص: 82 ] وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة ويكون الدين كله لله .
فأمر الله تعالى بقتالهم، حتى لا يكون الشرك ويكون الدين كله لله .
وروي عن أنه أمر بقتال الشماسنة، لأنهم يشهدون القتال ويرون ذلك رأيا، وأن الرهبان من رأيهم أن لا يقاتلوا، فأمر أبو بكر أن لا يقتلوا، ثم قال: قد قال الله سبحانه: أبي بكر وقاتلوا في سبيل الله الذين يقاتلونكم .. وحمل ذلك رضي الله عنه على المقاتلة دينا واعتقادا، فالآية على هذا ثابتة الحكم لا نسخ فيها. أبو بكر
وعلى قول أن النبي عليه السلام والمسلمين، كانوا مأمورين -بعد نزول الآية- بقتال من قاتل دون من كف عنهم، سواء كان ممن يتدين بالقتال أو لا يتدين وليس بصحيح. الربيع بن أنس،
وروي عن في قوله: عمر بن عبد العزيز الذين يقاتلونكم قال: ذلك في النساء والذرية، فعلى هذا لا نسخ في الآية.
ويحتمل أن يقال: إن قوله تعالى: واقتلوهم حيث وجدتموهم ، عام في الرجال والنساء والصبيان، وهم يقتلون إذا كانت المصلحة في قتلهم، على ما عرف من مذهب رحمه الله فيه. [ ص: 83 ] وإذا كانت المرأة مقاتلة بالمال والرأي والتدبير، وكانت ذات عز في قومها، فيجب قتلها، وإذا كانت المصلحة في استرقاقها، فنفع الاسترقاق إذا أوفى على قتلها، فلا يجوز قتلها. الشافعي