باب قال الله تعالى : الرجل يموت وعليه دين ويوصي بوصية من بعد وصية يوصى بها أو دين وروي عن الحارث عن قال : علي محمدا صلى الله عليه وسلم قضى بالدين قبل الوصية . تقرءون الوصية قبل الدين ، وإن
قال وهذا لا خلاف فيه بين المسلمين ؛ وذلك لأن معنى قوله : أبو بكر من بعد وصية يوصى بها أو دين أن الميراث بعد هذين ، وليست " أو " في هذا الموضع لأحدهما بل قد تناولتهما جميعا ، وذلك لأن قوله : من بعد وصية يوصى بها أو دين مستثنى عن الجملة المذكورة في قسمة المواريث ، ومتى دخلت " أو " على النفي صارت في معنى " الواو " كقوله تعالى : ولا تطع منهم آثما أو كفورا [ ص: 29 ] وقال تعالى : حرمنا عليهم شحومهما إلا ما حملت ظهورهما أو الحوايا أو ما اختلط بعظم فكانت " أو " في هذه المواضع بمنزلة " الواو " فكذلك قوله تعالى : من بعد وصية يوصى بها أو دين لما كان في معنى الاستثناء كأنه قال : إلا أن تكون هناك وصية أو دين فيكون الميراث بعدهما جميعا .
وتقديم الوصية على الدين في الذكر غير موجب للتبدئة بها على الدين ؛ لأن " أو " لا توجب الترتيب ، وإنما ذكر الله تعالى ذلك بعد ذكر الميراث إعلاما لنا أن سهام المواريث جارية في التركة بعد قضاء الدين وعزل حصة الوصية ، ألا ترى أنه فيكون للزوجة الربع أو الثمن في الثلثين ؟ وكذلك سهام سائر أهل الميراث جارية في الثلثين دون الثلث الذي فيه الوصية . إذا أوصى بثلث ماله كانت سهام الورثة معتبرة بعد الثلث
فجمع تعالى بين ذكر الدين والوصية ليعلمنا أن وإن كانت الوصية مخالفة للدين من جهة الاستيفاء ؛ لأنه لو هلك من المال شيء لدخل النقصان على أصحاب الوصايا كما يدخل على الورثة ، وليس كذلك الدين ؛ لأنه لو هلك من المال شيء استوفي الدين كله من الباقي وإن استغرقه وبطل حق الموصى له والورثة جميعا ، فالموصى له شريك الورثة من وجه ويأخذ شبها من الغريم من وجه آخر ، وهو أن سهام أهل المواريث معتبرة بعد الوصية كاعتبارها بعد الدين . سهام الميراث معتبرة بعد الوصية كما هي معتبرة بعد الدين
وليس المراد بقوله تعالى : من بعد وصية يوصى بها أو دين أن الموصى له يعطى وصيته قبل أن يأخذ الورثة أنصباءهم ، بل يعطون كلهم معا كأنه أحد الورثة في هذا الوجه ، وما هلك من المال قبل القسمة فهو ذاهب منهم جميعا .