قوله تعالى : وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة واركعوا مع الراكعين لا يخلو من أن يكون راجعا إلى صلاة معهودة وزكاة معلومة وقد عرفها ، أو أن يكون متناولا صلاة مجملة وزكاة مجملة موقوفة على البيان ، إلا أنا قد علمنا الآن أنه قد أريد بهما فيما خوطبنا به من هذه الصلوات المفروضة والزكوات الواجبة ، إما لأنه كان ذلك معلوما عند المخاطبين في حال ورود الخطاب ، أو أن يكون كان ذلك مجملا ورد بعده بيان المراد فحصل ذلك معلوما .
وأما قوله : واركعوا مع الراكعين [ ص: 39 ] فإنه يفيد إثبات فرض ، وقيل إنه إنما خص الركوع لأن الركوع في الصلاة أهل الكتاب لم يكن لهم ركوع في صلاتهم فنص على الركوع فيها ويحتمل أن يكون قوله : واركعوا عبارة عن الصلاة نفسها كما عبر عنها بالقراءة في قوله : فاقرءوا ما تيسر من القرآن
وقوله : وقرآن الفجر إن قرآن الفجر كان مشهودا والمعنى صلاة الفجر ؛ فينتظم وجهين من الفائدة :
أحدهما : إيجاب الركوع ؛ لأنه لم يعبر عنها بالركوع إلا وهو من فرضها ، والثاني : الأمر بالصلاة مع المصلين
فإن قيل : قد تقدم ذكر الصلاة في قوله : وأقيموا الصلاة فغير جائز أن يريد بعطف الركوع عليها الصلاة بعينها قيل له : هذا جائز إذا أريد بالصلاة المبدوء بذكرها الإجمال دون صلاة معهودة فيكون حينئذ قوله : واركعوا مع الراكعين إحالة لهم على الصلاة التي بينها بركوعها وسائر فروضها وأيضا لما كانت صلاة أهل الكتاب بغير ركوع وكان في اللفظ احتمال رجوعه إلى تلك الصلاة بين أنه لم يرد الصلاة التي يتعبد بها أهل الكتاب بل التي فيها الركوع .