فرح المخلفون بمقعدهم خلاف رسول الله وكرهوا أن يجاهدوا بأموالهم وأنفسهم في سبيل الله وقالوا لا تنفروا في الحر قل نار جهنم أشد حرا لو كانوا يفقهون فليضحكوا قليلا وليبكوا كثيرا جزاء بما كانوا يكسبون فإن رجعك الله إلى طائفة منهم فاستأذنوك للخروج فقل لن تخرجوا معي أبدا ولن تقاتلوا معي عدوا إنكم رضيتم بالقعود أول مرة فاقعدوا مع الخالفين
(81) يقول تعالى مبينا تبجح المنافقين بتخلفهم وعدم مبالاتهم بذلك، الدال على عدم الإيمان، واختيار الكفر على الإيمان.
فرح المخلفون بمقعدهم خلاف رسول الله وهذا قدر زائد على مجرد التخلف، فإن هذا تخلف محرم، وزيادة رضا بفعل المعصية، وتبجح به.
وكرهوا أن يجاهدوا بأموالهم وأنفسهم في سبيل الله وهذا بخلاف المؤمنين الذين إذا تخلفوا -ولو لعذر- حزنوا على تخلفهم وتأسفوا غاية الأسف، ويحبون أن يجاهدوا بأموالهم وأنفسهم في سبيل الله، لما في قلوبهم من الإيمان، ولما يرجون من فضل الله وإحسانه وبره وامتنانه.
وقالوا أي: المنافقون لا تنفروا في الحر أي: قالوا إن النفير مشقة علينا بسبب الحر، فقدموا راحة قصيرة منقضية على الراحة الأبدية التامة.
وحذروا من الحر الذي يقي منه الظلال، ويذهبه البكر والآصال، على الحر الشديد الذي لا يقادر قدره، وهو النار الحامية.
ولهذا قال: قل نار جهنم أشد حرا لو كانوا يفقهون .
[ ص: 673 ] (82) لما آثروا ما يفنى على ما يبقى، ولما فروا من المشقة الخفيفة المنقضية، إلى المشقة الشديدة الدائمة. قال الله تعالى: فليضحكوا قليلا وليبكوا كثيرا أي: فليتمتعوا في هذه الدار المنقضية، ويفرحوا بلذاتها، ويلهوا بلعبها، فسيبكون كثيرا في عذاب أليم جزاء بما كانوا يكسبون من الكفر والنفاق، وعدم الانقياد لأوامر ربهم.
(83) فإن رجعك الله إلى طائفة منهم وهم الذين تخلفوا من غير عذر، ولم يحزنوا على تخلفهم فاستأذنوك للخروج لغير هذه الغزوة، إذا رأوا السهولة. فقل لهم عقوبة لن تخرجوا معي أبدا ولن تقاتلوا معي عدوا فسيغني الله عنكم.
إنكم رضيتم بالقعود أول مرة فاقعدوا مع الخالفين وهذا كما قال تعالى ونقلب أفئدتهم وأبصارهم كما لم يؤمنوا به أول مرة فإن المتثاقل المتخلف عن المأمور به عند انتهاز الفرصة، لن يوفق له بعد ذلك، ويحال بينه وبينه.
وفيه أيضا تعزير لهم، فإنه إذا تقرر عند المسلمين أن هؤلاء من الممنوعين من الخروج إلى الجهاد لمعصيتهم، كان ذلك توبيخا لهم، وعارا عليهم ونكالا أن يفعل أحد كفعلهم.