وما أرسلناك إلا كافة للناس بشيرا ونذيرا ولكن أكثر الناس لا يعلمون ويقولون متى هذا الوعد إن كنتم صادقين قل لكم ميعاد يوم لا تستأخرون عنه ساعة ولا تستقدمون
(28) يخبر تعالى أنه ما أرسل رسوله صلى الله عليه وسلم، إلا ليبشر جميع الناس بثواب الله، ويخبرهم بالأعمال الموجبة لذلك، وينذرهم عقاب الله، ويخبرهم بالأعمال الموجبة له، فليس لك من الأمر شيء، وكل ما اقترح عليك أهل التكذيب والعناد، فليس من وظيفتك، إنما ذلك بيد الله تعالى، ولكن أكثر الناس لا يعلمون أي: ليس لهم علم صحيح، بل إما جهال، أو معاندون لم يعملوا بعلمهم، فكأنهم لا علم لهم. ومن عدم علمهم، جعلهم عدم الإجابة لما اقترحوه على الرسول، موجبا لرد دعوته.
(29) فمما اقترحوه، استعجالهم العذاب، الذي أنذرهم به فقال: ويقولون متى هذا الوعد إن كنتم صادقين وهذا ظلم منهم. فأي ملازمة بين صدقه، وبين الإخبار بوقت وقوعه؟ وهل هذا إلا رد للحق، وسفه في العقل؟! أليس النذير في أمر من أحوال الدنيا، لو جاء قوما، يعلمون صدقه ونصحه، ولهم عدو ينتهز الفرصة منهم ويعد لهم فقال لهم: تركت عدوكم قد سار، يريد اجتياحكم واستئصالكم. فلو قال بعضهم: إن كنت صادقا، فأخبرنا بأية ساعة يصل إلينا، وأين مكانه الآن؟ فهل يعد هذا القائل عاقلا أم يحكم بسفهه وجنونه؟!
هذا، والمخبر يمكن صدقه وكذبه، والعدو قد يبدو له غيرهم، وقد تنحل عزيمته، وهم قد يكون بهم منعة يدافعون بها عن أنفسهم، فكيف بمن كذب أصدق الخلق المعصوم في خبره، الذي لا ينطق عن الهوى بالعذاب اليقين، الذي لا مدفع له، ولا ناصر منه؟! أليس رد خبره بحجة عدم بيانه وقت وقوعه من أسفه السفه؟!"
(30) قل لهم - مخبرا بوقت وقوعه الذي لا شك فيه -: لكم ميعاد يوم لا تستأخرون عنه ساعة ولا تستقدمون فاحذروا ذلك اليوم، وأعدوا له عدته.