nindex.php?page=treesubj&link=28977_28760_30340_30455_31808_31810_32405_34103nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=2هو الذي خلقكم من طين ثم قضى أجلا وأجل مسمى عنده ثم أنتم تمترون nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=2هو الذي خلقكم من طين استئناف مسوق لبيان بطلان كفرهم بالبعث مع مشاهدتهم لما يوجب الإيمان به ، إثر بيان بطلان إشراكهم به تعالى مع معاينتهم لموجبات توحيده ، وتخصيص خلقهم بالذكر من بين سائر دلائل صحة البعث مع أن ما ذكر من خلق السماوات والأرض من أوضحها وأظهرها ، كما ورد في قوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=36&ayano=81أوليس الذي خلق السماوات والأرض بقادر على أن يخلق مثلهم ، لما أن محل النزاع بعثهم ; فدلالة بدء خلقهم على ذلك أظهر ، وهم بشئون أنفسهم أعرف والتعامي عن الحجة النيرة أقبح .
والالتفات لمزيد التشنيع والتوبيخ ; أي : ابتدأ خلقكم منه ، فإنه المادة الأولى للكل ، لما أنه منشأ
آدم الذي هو أبو البشر ، وإنما نسب هذا الخلق إلى المخاطبين ، لا إلى
آدم عليه السلام ، وهو المخلوق منه حقيقة بأن يقال : هو الذي خلق أباكم ... إلخ ، مع كفاية علمهم بخلقه عليه السلام منه في إيجاب الإيمان بالبعث وبطلان الامتراء ، لتوضيح منهاج القياس ، وللمبالغة في إزاحة الاشتباه والالتباس مع ما فيه من تحقيق الحق ، والتنبيه على حكمة خفية ، هي أن كل فرد من أفراد البشر له حظ من إنشائه عليه السلام منه ، حيث لم تكن فطرته البديعة مقصورة على نفسه ، بل كانت أنموذجا منطويا على فطرة سائر آحاد الجنس ، انطواء إجماليا مستتبعا لجريان آثارها على الكل ، فكان خلقه عليه السلام من الطين خلقا لكل أحد من فروعه منه ، ولما كان خلقه على هذا النمط الساري إلى جميع أفراد ذريته ، أبدع من أن يكون ذلك مقصورا على نفسه ، كما هو المفهوم من نسبة الخلق المذكور إليه ، وأدل على عظم قدرة الخلاق العليم ، وكمال علمه وحكمته .
وكان ابتداء حال المخاطبين أولى بأن يكون معيارا لانتهائها فعل ما فعل ، ولله در شأن التنزيل ، وعلى هذا السر مدار قوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=11ولقد خلقناكم ثم صورناكم ... إلخ ، وقوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=19&ayano=9وقد خلقتك من قبل ولم تك شيئا كما سيأتي .
وقيل : المعنى : خلق أباكم منه ، على حذف المضاف . وقيل : معنى خلقهم منه : خلقهم من النطفة الحاصلة من الأغذية المتكونة من الأرض ، وأيا ما كان ; ففيه من وضوح الدلالة على كمال قدرته تعالى على البعث ما لا يخفى ، فإن من قدر على إحياء ما لم يشم رائحة الحياة قط ، كان على إحياء ما قارنها مدة أظهر قدرة .
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=2ثم قضى ; أي : كتب لموت كل واحد منكم .
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=2أجلا خاصا به ; أي : حدا معينا من الزمان يفنى عند حلوله لا محالة ، وكلمة " ثم " للإيذان بتفاوت ما بين خلقهم وبين تقدير آجالهم حسبما تقتضيه الحكم البالغة .
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=2وأجل مسمى ; أي : حد معين لبعثكم جميعا ، وهو مبتدأ لتخصصه بالصفة ، كما في قوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=221ولعبد مؤمن ، ولوقوعه
[ ص: 107 ] في موقع التفصيل ، كما في قول من قال :
إذا ما بكى من خلفها انصرفت له ... بشق وشق عندنا لم يحول
وتنوينه لتفخيم شأنه وتهويل أمره ; لذلك أوثر تقديمه على الخبر الذي هو :
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=2عنده مع أن الشائع المستفيض هو التأخير ، كما في قولك : عندي كلام حق ، ولي كتاب نفيس ، كأنه قيل : وأي أجل مسمى مثبت معين في علمه لا يتغير ، ولا يقف على وقت حلوله أحد ، لا مجملا ولا مفصلا ، وأما أجل الموت فمعلوم إجمالا وتقريبا ، بناء على ظهور أماراته ، أو على ما هو المعتاد في أعمار الإنسان ، وتسميته أجلا إنما هي باعتبار كونه غاية لمدة لبثهم في القبور ، لا باعتبار كونه مبدأ لمدة القيامة ، كما أن مدار التسمية في الأجل الأول هو كونه آخر مدة الحياة ، لا كونه أول مدة الممات لما أن الأجل في اللغة عبارة عن آخر المدة لا عن أولها .
وقيل : الأجل الأول : ما بين الخلق والموت ، والثاني : ما بين الموت والبعث من البرزخ ; فإن الأجل كما يطلق على آخر المدة يطلق على كلها ، وهو الأوفق لما روي عن
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس رضي الله عنهما : أن الله تعالى قضى لكل أحد أجلين : أجلا من مولده إلى موته ، وأجلا من موته إلى مبعثه ، فإن كان برا تقيا وصولا للرحم ، زيد له من أجل البعث في أجل العمر ، وإن كان فاجرا قاطعا نقص من أجل العمر وزيد في أجل البعث ، وذلك قوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=35&ayano=11وما يعمر من معمر ولا ينقص من عمره إلا في كتاب ; فمعنى عدم تغير الأجل حينئذ : عدم تغير آخره .
والأول هو الأشهر الأليق بتفخيم الأجل الثاني المنوط باختصاصه بعلمه تعالى ، والأنسب بتهويله المبني على مقارنته للطامة الكبرى ، فإن كون بعضه معلوما للخلق ، ومضيه من غير أن يقع فيه شيء من الدواهي ، كما يستلزمه الحمل على المعنى الثاني ، مخل بذلك قطعا ، ومعنى زيادة الأجل ونقصه فيما روي : تأخير الأجل الأول وتقديمه .
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=2ثم أنتم تمترون استبعاد واستنكار لامترائهم في البعث ، بعد معاينتهم لما ذكر من الحجج الباهرة الدالة عليه ; أي : تمترون في وقوعه وتحققه في نفسه مع مشاهدتكم في أنفسكم من الشواهد ما يقطع مادة الامتراء بالكلية ، فإن من قدر على إفاضة الحياة وما يتفرع عليها من العلم والقدرة ، وسائر الكمالات البشرية على مادة غير مستعدة لشيء منها أصلا ، كان أوضح اقتدارا على إفاضتها على مادة قد استعدت لها وقارنتها مدة .
ومن ههنا تبين أن ما قيل من أن الأجل الأول : هو النوم ، والثاني : هو الموت ، أو أن الأول : أجل الماضين ، والثاني : أجل الباقين ، أو أن الأول : مقدار ما مضى من عمر كل أحد ، والثاني : مقدار ما بقي منه ; مما لا وجه له أصلا ، لما رأيت من أن مساق النظم الكريم استبعاد امترائهم في البعث الذي عبر عن وقته بالأجل المسمى ، فحيث أريد به أحد ما ذكر من الأمور الثلاثة ; ففي أي شيء يمترون .
ووصفهم بالامتراء الذي هو الشك ، وتوجيه الاستبعاد إليه مع أنهم جازمون بانتفاء البعث ، مصرون على إنكاره ، كما ينبئ عنه قولهم :
nindex.php?page=tafseer&surano=23&ayano=82أإذا متنا وكنا ترابا وعظاما أإنا لمبعوثون ونظائره ; للدلالة على أن جزمهم المذكور في أقصى مراتب الاستبعاد والاستنكار .
nindex.php?page=treesubj&link=28977_28760_30340_30455_31808_31810_32405_34103nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=2هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ طِينٍ ثُمَّ قَضَى أَجَلا وَأَجَلٌ مُسَمًّى عِنْدَهُ ثُمَّ أَنْتُمْ تَمْتَرُونَ nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=2هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ طِينٍ اسْتِئْنَافٌ مَسُوقٌ لِبَيَانِ بُطْلَانِ كُفْرِهِمْ بِالْبَعْثِ مَعَ مُشَاهَدَتِهِمْ لِمَا يُوجِبُ الْإِيمَانَ بِهِ ، إِثْرَ بَيَانِ بُطْلَانِ إِشْرَاكِهِمْ بِهِ تَعَالَى مَعَ مُعَايَنَتِهِمْ لِمُوجِبَاتِ تَوْحِيدِهِ ، وَتَخْصِيصُ خَلْقِهِمْ بِالذِّكْرِ مِنْ بَيْنِ سَائِرِ دَلَائِلِ صِحَّةِ الْبَعْثِ مَعَ أَنَّ مَا ذُكِرَ مِنْ خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ مِنْ أَوْضَحِهَا وَأَظْهَرِهَا ، كَمَا وَرَدَ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=36&ayano=81أَوَلَيْسَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ بِقَادِرٍ عَلَى أَنْ يَخْلُقَ مِثْلَهُمْ ، لِمَا أَنَّ مَحَلَّ النِّزَاعِ بَعْثُهُمْ ; فَدَلَالَةُ بَدْءِ خَلْقِهِمْ عَلَى ذَلِكَ أَظْهَرُ ، وَهُمْ بِشُئُونِ أَنْفُسِهِمْ أَعْرَفُ وَالتَّعَامِي عَنِ الْحُجَّةِ النَّيِّرَةِ أَقْبَحُ .
وَالِالْتِفَاتُ لِمَزِيدِ التَّشْنِيعِ وَالتَّوْبِيخِ ; أَيِ : ابْتَدَأَ خَلْقَكُمْ مِنْهُ ، فَإِنَّهُ الْمَادَّةُ الْأُولَى لِلْكُلِّ ، لِمَا أَنَّهُ مَنْشَأُ
آدَمَ الَّذِي هُوَ أَبُو الْبَشَرِ ، وَإِنَّمَا نُسِبَ هَذَا الْخَلْقُ إِلَى الْمُخَاطَبِينَ ، لَا إِلَى
آدَمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ ، وَهُوَ الْمَخْلُوقُ مِنْهُ حَقِيقَةً بِأَنْ يُقَالَ : هُوَ الَّذِي خَلَقَ أَبَاكُمْ ... إِلَخْ ، مَعَ كِفَايَةِ عِلْمِهِمْ بِخَلْقِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ مِنْهُ فِي إِيجَابِ الإيمان بالبَعْثِ وَبُطْلَانِ الِامْتِرَاءِ ، لِتَوْضِيحِ مِنْهَاجِ الْقِيَاسِ ، وَلِلْمُبَالَغَةِ فِي إِزَاحَةِ الِاشْتِبَاهِ وَالِالْتِبَاسِ مَعَ مَا فِيهِ مِنْ تَحْقِيقِ الْحَقِّ ، وَالتَّنْبِيهِ عَلَى حِكْمَةٍ خَفِيَّةٍ ، هِيَ أَنَّ كُلَّ فَرْدٍ مِنْ أَفْرَادِ الْبَشَرِ لَهُ حَظٌّ مِنْ إِنْشَائِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ مِنْهُ ، حَيْثُ لَمْ تَكُنْ فِطْرَتُهُ الْبَدِيعَةُ مَقْصُورَةً عَلَى نَفْسِهِ ، بَلْ كَانَتْ أُنْمُوذَجًا مُنْطَوِيًا عَلَى فِطْرَةِ سَائِرِ آحَادِ الْجِنْسِ ، انْطِوَاءً إِجْمَالِيًّا مُسْتَتْبِعًا لِجَرَيَانِ آثَارِهَا عَلَى الْكُلِّ ، فَكَانَ خَلْقُهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ مِنَ الطِّينِ خَلْقًا لِكُلِّ أَحَدٍ مِنْ فُرُوعِهِ مِنْهُ ، وَلَمَّا كَانَ خَلْقُهُ عَلَى هَذَا النَّمَطِ السَّارِي إِلَى جَمِيعِ أَفْرَادِ ذُرِّيَّتِهِ ، أَبْدَعَ مِنْ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ مَقْصُورًا عَلَى نَفْسِهِ ، كَمَا هُوَ الْمَفْهُومُ مِنْ نِسْبَةِ الْخَلْقِ الْمَذْكُورِ إِلَيْهِ ، وَأَدَلَّ عَلَى عِظَمِ قُدْرَةِ الْخَلَّاقِ الْعَلِيمِ ، وَكَمَالِ عِلْمِهِ وَحِكْمَتِهِ .
وَكَانَ ابْتِدَاءُ حَالِ الْمُخَاطَبِينَ أَوْلَى بِأَنْ يَكُونَ مِعْيَارًا لِانْتِهَائِهَا فَعَلَ مَا فَعَلَ ، وَلِلَّهِ دَرُّ شَأْنِ التَّنْزِيلِ ، وَعَلَى هَذَا السِّرِّ مَدَارُ قَوْلِهِ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=11وَلَقَدْ خَلَقْنَاكُمْ ثُمَّ صَوَّرْنَاكُمْ ... إِلَخْ ، وَقَوْلِهِ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=19&ayano=9وَقَدْ خَلَقْتُكَ مِنْ قَبْلُ وَلَمْ تَكُ شَيْئًا كَمَا سَيَأْتِي .
وَقِيلَ : الْمَعْنَى : خَلَقَ أَبَاكُمْ مِنْهُ ، عَلَى حَذْفِ الْمُضَافِ . وَقِيلَ : مَعْنَى خَلْقِهِمْ مِنْهُ : خَلْقِهِمْ مِنَ النُّطْفَةِ الْحَاصِلَةِ مِنَ الْأَغْذِيَةِ الْمُتَكَوِّنَةِ مِنَ الْأَرْضِ ، وَأَيًّا مَا كَانَ ; فَفِيهِ مِنْ وُضُوحِ الدَّلَالَةِ عَلَى كَمَالِ قدرته تعالى عَلَى الْبَعْثِ مَا لَا يَخْفَى ، فَإِنَّ مَنْ قَدَرَ عَلَى إِحْيَاءِ مَا لَمْ يَشُمَّ رَائِحَةَ الْحَيَاةِ قَطُّ ، كَانَ عَلَى إِحْيَاءِ مَا قَارَنَهَا مُدَّةً أَظْهَرُ قُدْرَةً .
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=2ثُمَّ قَضَى ; أَيْ : كَتَبَ لِمَوْتِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْكُمْ .
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=2أَجَلا خَاصًّا بِهِ ; أَيْ : حَدًّا مُعَيَّنًا مِنَ الزَّمَانِ يَفْنَى عِنْدَ حُلُولِهِ لَا مَحَالَةَ ، وَكَلِمَةُ " ثُمَّ " لِلْإِيذَانِ بِتَفَاوُتِ مَا بَيْنَ خَلْقِهِمْ وَبَيْنَ تَقْدِيرِ آجَالِهِمْ حَسْبَمَا تَقْتَضِيهِ الْحِكَمُ الْبَالِغَةُ .
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=2وَأَجَلٌ مُسَمًّى ; أَيْ : حَدٌّ مُعَيَّنٌ لِبَعْثِكُمْ جَمِيعًا ، وَهُوَ مُبْتَدَأٌ لِتَخَصُّصِهِ بِالصِّفَةِ ، كَمَا فِي قَوْلِهِ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=221وَلَعَبْدٌ مُؤْمِنٌ ، وَلِوُقُوعِهِ
[ ص: 107 ] فِي مَوْقِعِ التَّفْصِيلِ ، كَمَا فِي قَوْلِ مَنْ قَالَ :
إِذَا مَا بَكَى مِنْ خَلْفِهَا انْصَرَفَتْ لَهُ ... بِشَقٍّ وَشِقٌ عِنْدَنَا لَمْ يُحَوَّلِ
وَتَنْوِينُهُ لِتَفْخِيمِ شَأْنِهِ وَتَهْوِيلِ أَمْرِهِ ; لِذَلِكَ أُوثِرَ تَقْدِيمُهُ عَلَى الْخَبَرِ الَّذِي هُوَ :
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=2عِنْدَهُ مَعَ أَنَّ الشَّائِعَ الْمُسْتَفِيضَ هُوَ التَّأْخِيرُ ، كَمَا فِي قَوْلِكَ : عِنْدِي كَلَامٌ حَقٌّ ، وَلِي كِتَابٌ نَفِيسٌ ، كَأَنَّهُ قِيلَ : وَأَيُّ أَجَلٍ مُسَمًّى مُثْبَتٌ مُعَيَّنٌ فِي عِلْمِهِ لَا يَتَغَيَّرُ ، وَلَا يَقِفُ عَلَى وَقْتِ حُلُولِهِ أَحَدٌ ، لَا مُجْمَلًا وَلَا مُفَصَّلًا ، وَأَمَّا أَجَلُ الْمَوْتِ فَمَعْلُومٌ إِجْمَالًا وَتَقْرِيبًا ، بِنَاءً عَلَى ظُهُورِ أَمَارَاتِهِ ، أَوْ عَلَى مَا هُوَ الْمُعْتَادُ فِي أَعْمَارِ الْإِنْسَانِ ، وَتَسْمِيَتُهُ أَجَلًا إِنَّمَا هِيَ بِاعْتِبَارِ كَوْنِهِ غَايَةً لِمُدَّةِ لَبْثِهِمْ فِي الْقُبُورِ ، لَا بِاعْتِبَارِ كَوْنِهِ مَبْدَأً لِمُدَّةِ الْقِيَامَةِ ، كَمَا أَنَّ مَدَارَ التَّسْمِيَةِ فِي الْأَجَلِ الْأَوَّلِ هُوَ كَوْنُهُ آخِرَ مُدَّةِ الْحَيَاةِ ، لَا كَوْنُهُ أَوَّلَ مُدَّةِ الْمَمَاتِ لِمَا أَنَّ الْأَجَلَ فِي اللُّغَةِ عِبَارَةٌ عَنْ آخِرِ الْمُدَّةِ لَا عَنْ أَوَّلِهَا .
وَقِيلَ : الْأَجَلُ الْأَوَّلُ : مَا بَيْنَ الْخَلْقِ وَالْمَوْتِ ، وَالثَّانِي : مَا بَيْنَ الْمَوْتِ وَالْبَعْثِ مِنَ الْبَرْزَخِ ; فَإِنَّ الْأَجَلَ كَمَا يُطْلَقُ عَلَى آخِرِ الْمُدَّةِ يُطْلَقُ عَلَى كُلِّهَا ، وَهُوَ الْأَوْفَقُ لِمَا رُوِيَ عَنِ
nindex.php?page=showalam&ids=11ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا : أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَضَى لِكُلِّ أَحَدٍ أَجَلَيْنِ : أَجَلًا مِنْ مَوْلِدِهِ إِلَى مَوْتِهِ ، وَأَجَلًا مِنْ مَوْتِهِ إِلَى مَبْعَثِهِ ، فَإِنْ كَانَ بَرًّا تَقِيًّا وَصُولًا لِلرَّحِمِ ، زِيدَ لَهُ مِنْ أَجَلِ الْبَعْثِ فِي أَجَلِ الْعُمُرِ ، وَإِنْ كَانَ فَاجِرًا قَاطِعًا نُقِصَ مِنْ أَجَلِ الْعُمُرِ وَزِيدَ فِي أَجَلِ الْبَعْثِ ، وَذَلِكَ قَوْلُهُ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=35&ayano=11وَمَا يُعَمَّرُ مِنْ مُعَمَّرٍ وَلا يُنْقَصُ مِنْ عُمُرِهِ إِلا فِي كِتَابٍ ; فَمَعْنَى عَدَمِ تَغَيُّرِ الْأَجَلِ حِينَئِذٍ : عَدَمُ تَغَيُّرِ آخِرِهِ .
وَالْأَوَّلُ هُوَ الْأَشْهَرُ الْأَلْيَقُ بِتَفْخِيمِ الْأَجَلِ الثَّانِي الْمَنُوطِ بِاخْتِصَاصِهِ بِعلمه تعالى ، وَالْأَنْسَبُ بِتَهْوِيلِهِ الْمَبْنِيِّ عَلَى مُقَارَنَتِهِ لِلطَّامَّةِ الْكُبْرَى ، فَإِنَّ كَوْنَ بَعْضِهِ مَعْلُومًا لِلْخَلْقِ ، وَمُضِيَّهُ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَقَعَ فِيهِ شَيْءٌ مِنَ الدَّوَاهِي ، كَمَا يَسْتَلْزِمُهُ الْحَمْلُ عَلَى الْمَعْنَى الثَّانِي ، مُخِلٌّ بِذَلِكَ قَطْعًا ، وَمَعْنَى زِيَادَةِ الْأَجَلِ وَنَقْصِهِ فِيمَا رُوِيَ : تَأْخِيرُ الْأَجَلِ الْأَوَّلِ وَتَقْدِيمُهُ .
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=2ثُمَّ أَنْتُمْ تَمْتَرُونَ اسْتِبْعَادٌ وَاسْتِنْكَارٌ لِامْتِرَائِهِمْ فِي الْبَعْثِ ، بَعْدَ مُعَايَنَتِهِمْ لِمَا ذُكِرَ مِنَ الْحُجَجِ الْبَاهِرَةِ الدَّالَّةِ عَلَيْهِ ; أَيْ : تَمْتَرُونَ فِي وُقُوعِهِ وَتَحَقُّقِهِ فِي نَفْسِهِ مَعَ مُشَاهَدَتِكُمْ فِي أَنْفُسِكُمْ مِنَ الشَّوَاهِدِ مَا يَقْطَعُ مَادَّةَ الِامْتِرَاءِ بِالْكُلِّيَّةِ ، فَإِنَّ مَنْ قَدَرَ عَلَى إِفَاضَةِ الْحَيَاةِ وَمَا يَتَفَرَّعُ عَلَيْهَا مِنَ الْعِلْمِ وَالْقُدْرَةِ ، وَسَائِرِ الْكَمَالَاتِ الْبَشَرِيَّةِ عَلَى مَادَّةٍ غَيْرِ مُسْتَعِدَّةٍ لِشَيْءٍ مِنْهَا أَصْلًا ، كَانَ أَوْضَحَ اقْتِدَارًا عَلَى إِفَاضَتِهَا عَلَى مَادَّةٍ قَدِ اسْتَعَدَّتْ لَهَا وَقَارَنَتْهَا مُدَّةً .
وَمِنْ هَهُنَا تَبَيَّنَ أَنَّ مَا قِيلَ مِنْ أَنَّ الْأَجَلَ الْأَوَّلَ : هُوَ النَّوْمُ ، وَالثَّانِيَ : هُوَ الْمَوْتُ ، أَوْ أَنَّ الْأَوَّلَ : أَجَلُ الْمَاضِينَ ، وَالثَّانِي : أَجَلُ الْبَاقِينَ ، أَوْ أَنَّ الْأَوَّلَ : مِقْدَارُ مَا مَضَى مِنْ عُمُرِ كُلِّ أَحَدٍ ، وَالثَّانِيَ : مِقْدَارُ مَا بَقِيَ مِنْهُ ; مِمَّا لَا وَجْهَ لَهُ أَصْلًا ، لِمَا رَأَيْتَ مِنْ أَنَّ مَسَاقَ النَّظْمِ الْكَرِيمِ اسْتِبْعَادُ امْتِرَائِهِمْ فِي الْبَعْثِ الَّذِي عَبَّرَ عَنْ وَقْتِهِ بِالْأَجَلِ الْمُسَمَّى ، فَحَيْثُ أُرِيدَ بِهِ أَحَدُ مَا ذُكِرَ مِنَ الْأُمُورِ الثَّلَاثَةِ ; فَفِي أَيِّ شَيْءٍ يَمْتَرُونَ .
وَوَصْفُهُمْ بِالِامْتِرَاءِ الَّذِي هُوَ الشَّكُّ ، وَتَوْجِيهُ الِاسْتِبْعَادِ إِلَيْهِ مَعَ أَنَّهُمْ جَازِمُونَ بِانْتِفَاءِ الْبَعْثِ ، مُصِرُّونَ عَلَى إِنْكَارِهِ ، كَمَا يُنْبِئُ عَنْهُ قَوْلُهُمْ :
nindex.php?page=tafseer&surano=23&ayano=82أَإِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَابًا وَعِظَامًا أَإِنَّا لَمَبْعُوثُونَ وَنَظَائِرُهُ ; لِلدَّلَالَةِ عَلَى أَنَّ جَزْمَهُمُ الْمَذْكُورَ فِي أَقْصَى مَرَاتِبِ الِاسْتِبْعَادِ وَالِاسْتِنْكَارِ .