إن الذين آمنوا كلام مستأنف مسوق لترغيب من عدا المذكورين في الإيمان والعمل الصالح ; أي : الذين آمنوا بألسنتهم فقط ، وهم المنافقون . وقيل : أعم من أن يواطئها قلوبهم أولا .
والذين هادوا ; أي : دخلوا في اليهودية .
والصابئون والنصارى جمع نصران ، وقد مر تفصيله في سورة البقرة . وقوله تعالى : " والصابئون " رفع على الابتداء وخبره محذوف ، والنية به التأخر عما في حيز إن ، والتقدير : إن الذين آمنوا والذين هادوا والنصارى حكمهم كيت وكيت والصابئون كذلك ، كقوله :
فإني وقيار بها لغريب
وقوله :
وإلا فاعلموا أنا وأنتم ... بغاة ما بقينا في شقاق
خلا أنه وسط بين اسم إن وخبرها دلالة على أن الصابئين مع ظهور ضلالهم وزيغهم عن الأديان كلها ، حيث قبلت توبتهم إن صح منهم الإيمان والعمل الصالح ، فغيرهم أولى بذلك . وقيل : الجملة الآتية خبر للمبتدأ المذكور ، وخبر إن مقدر ، كما في قوله :
نحن بما عندنا وأنت بما ... عندك راض والرأي مختلف
وقيل : " النصارى " مرفوع على الابتداء . وقوله تعالى : " والصابئون " عطفا عليه ، وهو مع خبره عطف على الجملة المصدرة بإن ، ولا مساغ لعطفه وحده على محل إن واسمها ، لاشتراط ذلك بالفراغ عن الخبر ، وإلا لارتفع الخبر بإن والابتداء معا ، واعتذر عنه بأن ذلك إذا كان المذكور خبرا لهما ، وأما إذا كان خبر المعطوف محذوفا ، فلا محذور فيه ، ولا على الضمير في " هادوا " لعدم التأكيد والفصل ، ولاستلزامه كون الصابئين هودا .
وقرئ : ( والصابيون ) بياء صريحة وبتخفيف الهمزة . وقرئ : ( والصابون ) وهو من صبا يصبوا ; لأنهم صبوا إلى اتباع الهوى والشهوات في دينهم . وقرئ : ( والصابئين ) . وقرئ : ( يأيها الذين آمنوا والذين هادوا والصابئون ) .
وقوله تعالى : من آمن بالله واليوم الآخر وعمل صالحا إما في محل الرفع على أنه مبتدأ خبره فلا خوف عليهم ولا هم يحزنون ، والفاء لتضمن المبتدأ معنى الشرط ، وجمع الضمائر الأخيرة باعتبار معنى الموصول ، كما أن إفراد ما في صلته باعتبار لفظه . والجملة [ ص: 63 ] خبر " إن " ، والعائد إلى اسمها محذوف ; أي : من آمن منهم . و" إما " في محل النصب على أنه بدل من اسم إن ، وما عطف عليه ، والخبر قوله تعالى : " فلا خوف " ، والفاء كما في قوله عز وعلا : إن الذين فتنوا المؤمنين والمؤمنات ثم لم يتوبوا فلهم عذاب جهنم الآية ; فالمعنى على تقدير كون المراد بالذين آمنوا المنافقين ، وهو الأظهر : من أحدث من هذه الطوائف إيمانا خالصا بالمبدأ ، والمعاد على الوجه اللائق ، لا كما يزعمه أهل الكتاب ، فإن ذلك بمعزل من أن يكون إيمانا بهما ، وعمل عملا صالحا حسبما يقتضيه الإيمان بهما ، فلا خوف عليهم حين يخاف الكفار العقاب ، ولا هم يحزنون حين يحزن المقصرون على تضييع العمر وتفويت الثواب ، والمراد : بيان دوام انتفائهما لا بيان انتفاء دوامهما ، كما يوهمه كون الخبر في الجملة الثانية مضارعا لما مر مرارا ; لأن النفي وإن دخل على نفس المضارع يفيد الدوام والاستمرار بحسب المقام ، وأما على تقدير كون المراد بالذين آمنوا : مطلق المتدينين بدين الإسلام ، المخلصين منهم والمنافقين ; فالمراد بمن آمن : من اتصف منهم بالإيمان الخالص بالمبدأ والمعاد على الإطلاق ، سواء كان بطريق الثبات والدوام عليه كما هو شأن المخلصين ، أو بطريق إحداثه وإنشائه كما هو حال من عداهم من المنافقين وسائر الطوائف .
وفائدة التعميم للمخلصين المبالغة في ترغيب الباقين في الإيمان ببيان أن تأخرهم في الاتصاف به غير مخل بكونهم أسوة لأولئك الأقدمين الأعلام ، وأما ما قيل : المعنى : من كان منهم في دينه قبل أن ينسخ مصدقا بقلبه بالمبدأ والمعاد ، عاملا بمقتضى شرعه ، فمما لا سبيل إليه أصلا ، كما مر تفصيله في سورة البقرة .