ولو أن أهل الكتاب آمنوا واتقوا لكفرنا عنهم سيئاتهم ولأدخلناهم جنات النعيم
ولو أن أهل الكتاب ; أي : اليهود والنصارى ، على أن المراد بالكتاب : الجنس المنتظم للتوراة والإنجيل ، وإنما ذكروا بذلك العنوان تأكيدا للتشنيع ، فإن أهلية الكتاب توجب إيمانهم به وإقامتهم له لا محالة ، فكفرهم به وعدم إقامتهم له وهم أهله ، أقبح من كل قبيح وأشنع من كل شنيع .
فمفعول قوله تعالى : آمنوا محذوف ثقة بظهوره مما سبق من قوله تعالى : هل تنقمون منا إلا أن آمنا بالله وما أنزل إلينا وما أنزل من قبل وأن أكثركم فاسقون ، وما لحق من قوله تعالى : ولو أنهم أقاموا التوراة ... إلخ ; أي : ولو أنهم مع صدور ما صدر عنهم من فنون الجنايات قولا وفعلا ، آمنوا بما نفي عنهم الإيمان به ، فيندرج فيه فرض إيمانهم برسول الله صلى الله عليه وسلم ، وأما إرادة إيمانهم به صلى الله عليه وسلم خاصة فيأباها المقام ; لأن ما ذكر فيما سبق وما لحق من كفرهم به صلى الله عليه وسلم ، إنما ذكر مشفوعا بكفرهم بكتابهم أيضا ، قصدا إلى الإلزام والتبكيت ببيان أن الكفر به صلى الله عليه وسلم مستلزم الكفر بكتابهم ، فحمل الإيمان ههنا على الإيمان به صلى الله عليه وسلم خاصة مخل بتجاوب أطراف النظم الكريم .
واتقوا ما عددنا من معاصيهم التي من جملتها مخالفة كتابهم .
لكفرنا عنهم سيئاتهم التي اقترفوها ، وإن كانت في غاية العظم ونهاية الكثرة ، ولم نؤاخذهم بها ، ولأدخلناهم مع ذلك .
جنات النعيم وتكرير اللام لتأكيد الوعد ، وفيه تنبيه على كمال عظم ذنوبهم وكثرة معاصيهم ، وأن الإسلام يجب ما قبله من السيئات ، وإن جلت وجاوزت كل حد معهود .