وأن احكم بينهم بما أنزل الله ولا تتبع أهواءهم عطف على " الكتاب " ; أي : أنزلنا إليك الكتاب والحكم بما فيه ، والتعرض لعنوان إنزاله تعالى إياه لتأكيد وجوب الامتثال بالأمر ، أو على الحق ; أي : أنزلناه بالحق وبأن احكم .
وحكاية إنزال الأمر بهذا الحكم بعد ما مر من الأمر الصريح بذلك ، تأكيد له وتمهيد لما يعقبه من قوله تعالى : واحذرهم أن يفتنوك عن بعض ما أنزل الله إليك ; أي : يصرفوك عن بعضه ، ولو كان أقل قليل بتصوير الباطل بصورة الحق ، وإظهار الاسم الجليل لتأكيد الأمر بتهويل الخطب ، وأن بصلته بدل اشتمال من ضمير هم ; أي : احذر فتنتهم ، أو مفعول له ; أي : [ ص: 47 ] احذرهم مخافة أن يفتنوك ، وإعادة ما أنزل الله لتأكيد التحذير بتهويل الخطب .
روي أن أحبار اليهود قالوا : اذهبوا بنا إلى محمد فلعلنا نفتنه عن دينه ، فذهبوا إليه صلى الله عليه وسلم وقالوا : يا أبا القاسم ; قد عرفت أنا أحبار اليهود ، وأنا إن اتبعناك اتبعنا اليهود كلهم ، وأن بيننا وبين قومنا خصومة فنتحاكم إليك فتقضي لنا عليهم ، ونحن نؤمن بك ونصدقك ; فأبى ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فنزلت .
فإن تولوا ; أي : أعرضوا عن الحكم بما أنزل الله تعالى وأرادوا غيره .
فاعلم أنما يريد الله أن يصيبهم ببعض ذنوبهم ; أي : بذنب توليهم عن حكم الله عز وجل ، وإنما عبر عنه بذلك ; إيذانا بأن لهم ذنوبا كثيرة ، هذا مع كمال عظمة واحد من جملتها ، وفي هذا الإبهام تعظيم للتولي ، كما في قول لبيد :
أو يرتبط بعض النفوس حمامها
يريد به : نفسه ; أي : نفسا كبيرة ، ونفسا أي نفس .
وإن كثيرا من الناس لفاسقون ; أي : متمردون في الكفر مصرون عليه خارجون عن الحدود المعهودة ، وهو اعتراض تذييلي مقرر لمضمون ما قبله .