لقد من الله على المؤمنين إذ بعث فيهم رسولا من أنفسهم يتلو عليهم آياته ويزكيهم ويعلمهم الكتاب والحكمة وإن كانوا من قبل لفي ضلال مبين
لقد من الله جواب قسم محذوف أي: والله لقد من، أي: أنعم. على المؤمنين أي: من قومه عليه السلام. إذ بعث فيهم رسولا من أنفسهم أي: من نسبهم أو من جنسهم عربيا مثلهم ليفقهوا كلامه بسهولة ويكونوا واقفين على حاله في الصدق والأمانة مفتخرين به، وفي ذلك شرف لهم عظيم. قال الله تعالى: وإنه لذكر لك ولقومك وقرئ "من أنفسهم" أي: أشرفهم فإنه عليه السلام [ ص: 108 ] كان من أشرف قبائل العرب وبطونها، وقرئ "لمن من الله على المؤمنين إذ بعث" إلخ على أنه خبر لمبتدأ محذوف، أي: منه إذ بعث إلخ أو على أن إذ في محل الرفع على الابتداء بمعنى: لمن من الله على المؤمنين من وقت بعثه، وتخصيصهم بالامتنان مع عموم نعمة البعثة للأسود والأحمر لما مر من مزيد انتفاعهم بها. وقوله تعالى: من أنفسهم متعلق بمحذوف وقع صفة ل "رسولا"، أي: كائنا من أنفسهم. وقوله تعالى: يتلو عليهم آياته صفة أخرى، أي: يتلو عليهم القرآن بعدما كانوا أهل جاهلية لم يطرق أسماعهم شيء من الوحي. ويزكيهم عطف على "يتلو" أي: يطهرهم من دنس الطبائع وسوء العقائد وأوضار الأوزار. ويعلمهم الكتاب والحكمة أي: القرآن والسنة، وهو صفة أخرى ل "رسولا" مترتبة في الوجود على التلاوة وإنما وسط بينهما التزكية التي هي عبارة عن تكميل النفس بحسب القوة العملية وتهذيبها المتفرع على تكميلها بحسب القوة النظرية الحاصل بالتعليم المترتب على التلاوة للإيذان بأن كل واحد من الأمور المترتبة نعمة جليلة على حيالها مستوجبة للشكر، فلو روعي ترتيب الوجود كما في قوله تعالى: ربنا وابعث فيهم رسولا منهم يتلو عليهم آياتك ويعلمهم الكتاب والحكمة ويزكيهم لتبادر إلى الفهم عد الجميع نعمة واحدة، وهو السر في التعبير عن القرآن بالآيات تارة وبالكتاب والحكمة أخرى رمزا إلى أنه باعتبار كل عنوان نعمة على حدة، ولا يقدح في ذلك شمول الحكمة لما في مطاوي الأحاديث الكريمة من الشرائع كما سلف في سورة البقرة. وإن كانوا من قبل أي: من قبل بعثته عليه السلام وتزكيته وتعليمه. لفي ضلال مبين أي: بين لا ريب في كونه ضلالا، و "إن" هي المخففة من المثقلة وضمير الشأن محذوف واللام فارقة بينها وبين النافية والظرف الأول لغو متعلق بـ"كان" والثاني خبرها وهي مع خبرها خبر لأن المخففة التي حذف اسمها أعني ضمير الشأن. وقيل: هي نافية واللام بمعنى إلا، أي: وما كانوا من قبل إلا في ضلال مبين وأيا ما كان; فالجملة إما حال من الضمير المنصوب في "يعلمهم" أو مستأنفة، وعلى التقديرين فهي مبينة لكمال النعمة وتمامها.