سيقول لك المخلفون من الأعراب شغلتنا أموالنا وأهلونا فاستغفر لنا يقولون بألسنتهم ما ليس في قلوبهم قل فمن يملك لكم من الله شيئا إن أراد بكم ضرا أو أراد بكم نفعا بل كان الله بما تعملون خبيرا
سيقول لك المخلفون من الأعراب هم أعراب غفار ومزينة وجهينة وأشجع وأسلم والديل تخلفوا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم حين استنفر من [ ص: 107 ]
حول المدينة من الأعراب وأهل البوادي ليخرجوا معه عند إرادته المسير إلى مكة عام الحديبية معتمرا حذرا من قريش أن يتعرضوا له بحرب أو يصدوه عن البيت وأحرم عليه الصلاة والسلام وساق معه الهدي ليعلم أنه لا يريد الحرب وتثاقلوا عن الخروج، وقالوا: نذهب إلى قوم قد غزوه في عقر داره بالمدينة وقتلوا أصحابه فنقاتلهم فأوحى الله تعالى إليه عليه الصلاة والسلام بأنهم سيعتلون ويقولون شغلتنا أموالنا وأهلونا ولم يكن لنا من يخلفنا فيهم ويقوم بمصالحهم ويحميهم من الضياع، وقرئ "شغلتنا" بالتشديد للتكثير. فاستغفر لنا الله تعالى ليغفر لنا تخلفنا عنك حيث لم يكن ذلك باختيار بل عن اضطرار. يقولون بألسنتهم ما ليس في قلوبهم بدل من "سيقول" أو استئناف لتكذيبهم في الاعتذار والاستغفار. قل ردا لهم عند اعتذارهم إليك بأباطيلهم. فمن يملك لكم من الله شيئا أي: فمن يقدر لأجلكم من مشيئته الله تعالى وقضائه على شيء من النفع. إن أراد بكم ضرا أي: ما يضركم من هلاك الأهل والمال وضياعهما حتى تتخلفوا عن الخروج لحفظهما ودفع الضرر عنهما، وقرئ "ضرا" بالضم. أو أراد بكم نفعا أي: ومن يقدر على شيء من الضرر إن أراد بكم ما ينفعكم من حفظ أموالكم وأهليكم فأي حاجة إلى التخلف لأجل القيام بحفظهما، وهذا تحقيق للحق ورد لهم بموجب ظاهر مقالتهم الكاذبة وتعميم الضر والنفع لما يتوقع على تقدير الخروج من القتل والهزيمة والظفر والغنيمة يرده قوله تعالى: بل كان الله بما تعملون خبيرا فإنه إضراب عما قالوا وبيان لكذبه بعد بيان فساده على تقدير صدقه أي: ليس الأمر كما تقولون بل كان الله خبيرا بجميع ما تعملون من الأعمال التي من جملتها تخلفكم وما هو من مباديه.