فقلنا اذهبا إلى القوم الذين كذبوا بآياتنا فدمرناهم تدميرا
فقلنا لهما حينئذ اذهبا إلى القوم الذين كذبوا بآياتنا هم فرعون وقومه ، والآيات هي المعجزات التسع المفصلات الظاهرة على يدي موسى عليه السلام ولم يوصف القوم لهما عند إرسالهما إليهم بهذا الوصف ضرورة تأخر تكذيب الآيات عن إظهارها المتأخر عن ذهابهما المتأخر عن الأمر به ، بل إنما وصفوا بذلك عنه الحكاية لرسول الله صلى الله عليه وسلم بيانا لعلة استخفافهم لما يحكى بعده من التدمير ، أي : فاذهبا إليهم فأرياهم آياتنا كلها فكذبوها تكذيبا مستمرا .
فدمرناهم إثر ذلك التكذيب المستمر تدميرا عجيبا هائلا لا يقادر قدره ولا يدرك كنهه ، فاقتصر على حاشيتي القصة اكتفاء [ ص: 218 ] بما هو المقصود ، وحمل قوله تعالى : "فدمرناهم" على معنى : فحكمنا بتدميرهم مع كونه تعسفا ظاهرا مما لا وجه له ; إذ لا فائدة يعتد بها في حكاية الحكم بتدمير قد وقع وانقضى والتعرض في مطلع القصة لإيتاء الكتاب مع أنه كان بعد مهلك القوم ولم يكن له مدخل في هلاكهم كسائر الأيات للإيذان من أول الأمر ببلوغه صلى الله عليه وسلم غاية الكمال ونيله نهاية الآمال التي هي إنجاء بني إسرائيل من ملكة فرعون وإرشادهم إلى الطريق الحق بما في التوراة من الأحكام ; إذ به يحصل تأكيد الوعد بالهداية على الوجه الذي مر بيانه ، وقرئ : "فدمرتهم" و "فدمرناهم" على التأكيد بالنون الثقيلة .