من كان يظن أن لن ينصره الله في الدنيا والآخرة فليمدد بسبب إلى السماء ثم ليقطع فلينظر هل يذهبن كيده ما يغيظ
ولما كان هذا من اثار نصرته تعالى له صلى الله عليه وسلم عقب بقوله عز وعلا : من كان يظن أن لن ينصره الله في الدنيا والآخرة تحقيقا لها وتقريرا لثبوتها على أبلغ وجه وآكده ، وفيه إيجاز بارع واختصار رائع ، والمعنى : أنه تعالى ناصر لرسوله في الدنيا والآخرة لا محالة من غير صارف يلويه ولا عاطف يثنيه ، فمن كان يغيظه ذلك من أعاديه وحساده ويظن أن لن يفعله تعالى بسبب مدافعته ببعض الأمور ومباشرة ما يرده من المكايد فليبالغ في استفراغ المجهود وليجاوز في الجد كل حد معهود ، فقصارى أمره وعاقبة مكره أن يختنق حنقا مما يرى من ضلال مساعيه وعدم إنتاج مقدماته ومبادئه .
فليمدد بسبب إلى السماء فليمدد حبلا إلى سقف بيته ثم ليقطع أي : ليختنق من قطع إذا اختنق ، لأنه يقطع نفسه بحبس مجاريه . وقيل : ليقطع الحبل بعد الاختناق ، على أن المراد به : فرض القطع وتقديره ، كما أن المراد بالنظر في قوله تعالى : فلينظر هل يذهبن كيده ما يغيظ : تقدير النظر وتصويره ، أي : فليصور في نفسه النظر هل يذهبن كيده ذلك الذي هو أقصى ما انتهت إليه قدرته في باب المضادة والمضارة ما يغيظه من النصرة كلا ، ويجوز أن يراد : فلينظر الآن أنه إن فعل ذلك هل يذهب ما يغيظه ؟ وقيل : المعنى فليمدد حبلا إلى السماء المظلة ، وليصعد عليه ، ثم ليقطع الوحي ، وقيل : ليقطع المسافة حتى يبلغ عنانها فيجتهد في دفع نصره . ويأباه أن مساق النظم الكريم بيان أن الأمور المفروضة على تقدير وقوعها وتحققها بمعزل من اذهاب ما يغيظ ، ومن البين أن لا معنى لفرض وقوع الأمور الممتنعة وترتيب الأمر بالنظر عليه لاسيما قطع الوحي فإن فرض وقوعه مخل بالمرام قطعا . وقيل : كان قوم من المسلمين لشدة غيظهم وحنقهم على المشركين يستبطئون ما وعد الله ورسوله صلى الله عليه وسلم من النصر ، وآخرون من المشركين يريدون اتباعه صلى الله عليه وسلم ويخشون أن لا يثبت أمره فنـزلت . وقد فسر النصر بالرزق ، فالمعنى : أن ، فمن ظن أن الله تعالى غير رازقه ولم يصبر ولم يستسلم فليبلغ غاية الجزع وهو الاختناق فإن ذلك لا يغلب القسمة ولا يرده مرزوقا . الأرزاق بيد الله تعالى لا تنال إلا بمشيئته تعالى فلا بد للعبد من الرضا بقسمته