أم اتخذوا آلهة من الأرض هم ينشرون
أم اتخذوا آلهة حكاية لجناية أخرى من جناياتهم بطريق الإضراب والانتقال من فن إلى فن آخر من التوبيخ إثر تحقيق الحق ببيان أنه تعالى خلق جميع المخلوقات على منهاج الحكمة ، وأنهم قاطبة تحت ملكوته وقهره ، وأن عباده مذعنون لطاعته ومثابرون على عبادته منـزهون له عن كل ما لا يليق بشأنه من الأمور التي من جملتها الأنداد . ومعنى الهمزة في "أم" المنقطعة : إنكار الواقع . وقوله تعالى : من الأرض متعلق بـ "اتخذوا" ، أو بمحذوف هو صفة لآلهة ، وأيا ما كان فالمراد هو التحقير لا التخصيص .
وقوله تعالى : هم ينشرون أي : يبعثون الموتى صفة لآلهة ، وهو الذي يدور عليه الإنكار والتجهيل والتشنيع نفس الاتخاذ ، فإنه واقع لا محالة ، أي : بل اتخذوا آلهة من الأرض هم خاصة مع حقارتهم وجماديتهم ينشرون الموتى ، كلا فإن ما اتخذوها آلهة بمعزل من ذلك ، وهم وإن لم يقولوا بذلك صريحا لكنهم حيث ادعوا لها الإلهية فكأنهم ادعوا لها الإنشار ضرورة أنه من الخصائص الإلهية حتما . ومعنى التخصيص في تقديم الضمير ما أشير إليه من التنبيه على كمال مباينة حالهم للإنشار الموجبة لمزيد الإنكار ، كما في قوله تعالى : أفي الله شك وقوله تعالى : أبالله وآياته ورسوله كنتم تستهزئون ، فإن تقديم الجار والمجرور للتنبيه على كمال مباينة أمره تعالى لأن يشك فيه ويستهزأ به . ويجوز أن يجعل ذلك من مستتبعات ادعائهم الباطل ، لأن الألوهية مقتضية للاستقلال بالإبداء والإعادة ، فحيث ادعوا للأصنام الإلهية فكأنهم ادعوا لها الاستقلال بالإنشار ، كما أنهم جعلوا بذلك مدعين لأصل الإنشار .