فأتبعهم فرعون بجنوده فغشيهم من اليم ما غشيهم
فأتبعهم فرعون بجنوده أي : تبعهم ومعه جنوده حتى لحقوهم ، يقال : أتبعتهم أي تبعتهم ، وذلك إذا كانوا سبقوك فلحقتهم ، ويؤيده أنه قرئ : "فأتبعهم" من الافتعال . وقيل : المعنى : أتبعهم فرعون نفسه ، فحذف المفعول الثاني ، وقيل : الباء زائدة ، والمعنى : فأتبعهم فرعون جنوده ، أي : ساقهم خلفهم . وأيا ما كان فالفاء فصيحة معربة عن مضمر قد طوي ذكره ثقة بغاية ظهوره وإيذانا بكمال مسارعة موسى عليه الصلاة والسلام إلى الامتثال بالأمر : أي : ففعل ما أمر به من الإسراء بهم ، وضرب الطريق وسلوكه ، فأتبعهم فرعون بجنوده برا وبحرا . روي أن موسى عليه الصلاة والسلام خرج بهم أول الليل ، وكانوا ستمائة وسبعين ألفا ، فأخبر فرعون بذلك فأتبعهم بعساكره ، وكانت مقدمته سبعمائة ألف ، فقص أثرهم فلحقهم بحيث تراءى الجمعان ، فعند ذلك ضرب عليه الصلاة والسلام بعصاه البحر فانفلق على اثني عشر فرقا كل فرق كالطود العظيم ، فعبر موسى عليه الصلاة والسلام بمن معه من الأسباط سالمين وتبعهم فرعون بجنوده .
فغشيهم من اليم ما غشيهم أي : علاهم منه ، وغمرهم ما غمرهم من الأمر الهائل الذي لا يقادر قدره ، ولا يبلغ كنهه . وقيل : غشيهم ما سمعت قصته وليس بذاك ، فإن مدار التهويل والتفخيم خروجه عن حدود الفهم والوصف لا سماع قصته . وقرئ : "فغشاهم من اليم ما غشاهم" أي : غطاهم ما غطاهم ، والفاعل هو الله عز وعلا ، أو ما غشاهم . وقيل فرعون لأنه الذي ورطهم للهلكة .