فلا يصدنك عنها من لا يؤمن بها واتبع هواه فتردى
فلا يصدنك عنها أي : عن ذكر الساعة ومراقبتها ، وقيل : عن تصديقها ، والأول هو الأليق بشأن موسى عليه الصلاة والسلام . وإن كان النهي بطريق التهييج والإلهاب ، وتقديم الجار والمجرور على قوله تعالى من لا يؤمن بها لما مر مرارا من الاهتمام بالمقدم والتشويق إلى المؤخر ، فإن ما حقه التقديم إذا أخر تبقى النفس مستشرقة له ، فيتمكن عند وروده لها فضل تمكن ، ولأن في المؤخر نوع طول ربما يخل تقديمه بجزالة النظم الكريم ، وهذا وإن كان بحسب الظاهر نهيا للكافر عن صد موسى عليه الصلاة والسلام عن الساعة ، لكنه في الحقيقة نهي له عليه الصلاة والسلام عن الانصداد عنها على أبلغ وجه وآكده . فإن النهي عن أسباب الشيء ومباديه المؤدية إليه نهي عنه بالطريق البرهاني ، وإبطال للسببية من أصلها ، كما في قوله تعالى : ولا يجرمنكم ... إلخ ، فإن صد الكافر حيث كان سبب انصداده عليه الصلاة والسلام كان النهي عنه نهيا بأصله وموجبه وإبطالا له بالكلية . ويجوز أن يكون من باب النهي عن المسبب وإرادة النهي عن السبب على أن يراد نهيه عليه الصلاة والسلام عن إظهار لين الجانب للكفرة ، فإن ذلك سبب لصدهم إياه عليه الصلاة والسلام ، كما في قوله : لا أرينك ههنا ، فإن المراد به : نهي المخاطب عن الحضور لديه الموجب لرؤيته .
واتبع هواه أي : ما تهواه نفسه من اللذات الحسية الفانية . فتردى أي : فتهلك . فإن الإغفال عنها وعن تحصيل ما ينجي عن أهوالها مستتبع للهلاك لا محالة ، وهو في محل النصب على جواب النهي ، أو في محل الرفع على أنه خبر مبتدإ محذوف أي : فأنت تردى .