أفحسب الذين كفروا أن يتخذوا عبادي من دوني أولياء إنا أعتدنا جهنم للكافرين نزلا
أفحسب الذين كفروا أي: كفروا بي، كما يعرب عنه قوله تعالى: "عبادي". والحسبان بمعنى: الظن. وقد قرئ: (أفظن) والهمزة للإنكار والتوبيخ، على معنى إنكار الواقع واستقباحه، كما في قولك: أضربت أباك لا إنكار الوقوع، كما في قوله: أأضرب أبي. و "الفاء" للعطف على مقدر يفصح عنه الصلة على توجيه الإنكار والتوبيخ إلى المعطوفين جميعا، كما إذا قدر المعطوف عليه في قوله تعالى: "أفلا تعقلون" منفيا، أي: ألا تسمعون فلا تعقلون. لا إلى المعطوف فقط، كما إذا قدر مثبتا، أي: أتسمعون فلا تعقلون، والمعنى: أكفروا بي مع جلالة شأني فحسبوا أن يتخذوا عبادي من دوني من الملائكة، وعيسى، وعزير، عليهم السلام. وهم تحت سلطاني وملكوتي. أولياء معبودين ينصرونهم من بأسي، وما قيل إنها للعطف على ما قبلها من قوله تعالى: "كانت ... إلخ. "وكانوا ... إلخ. دلالة على أن الحسبان ناشئ من التعامي والتصام، وأدخل عليها همزة الإنكار ذما على ذم، وقطعا له عن المعطوف عليهما لفظا لا معنى للإيذان بالاستقلال المؤكد للذم يأباه ترك الإضمار، والتعرض لوصف آخر غير التعامي والتصام، على أنهما أخرجا مخرج الأحوال الجبلية لهم، ولم يذكروا من حيث إنهما من أفعالهم الاختيارية الحادثة كحسبانهم ليحسن تفريعه عليهما وأيضا، فإنه دين قديم لهم لا يمكن جعله ناشئا عن تصامهم عن كلام الله عز وجل، وتخصيص الإنكار بحسبانهم المتأخر عن ذلك تعسف لا يخفى، وما في حيز صلة أن ساد مسد مفعولي "حسب"، كما في قوله تعالى: وحسبوا ألا تكون فتنة أي: أفحسبوا أنهم يتخذونهم أولياء على معنى أن ذلك ليس من الاتخاذ في شيء لما أنه إنما يكون من الجانبين، وهم عليهم الصلاة والسلام منزهون عن ولايتهم بالمرة لقولهم: سبحانك أنت ولينا من دونهم وقيل: مفعوله الثاني محذوف، أي: أفحسبوا اتخاذهم نافعا لهم، والوجه هو الأول; لأن في هذا تسليما لنفس الاتخاذ، واعتدادا به في الجملة. وقرئ: (أفحسب) الذين كفروا، أي: أفحسبهم وكافيهم أن يتخذوهم أولياء على الابتداء والخبر، أو الفعل والفاعل، فإن النعت إذا اعتمد الهمزة ساوى الفعل في العمل فالهمزة حينئذ بمعنى إنكار الوقوع. إنا أعتدنا جهنم أي: هيأناها للكافرين المعهودين عدل عن الإضمار ذما لهم، وإشعارا بأن ذلك الاعتاد بسبب كفرهم المتضمن لحسبانهم الباطل. نزلا أي: شيئا يتمتعون به عند ورودهم، وهو ما يقام للنزيل، أي: الضيف مما حضر من الطعام، وفيه تخطئة لهم في حسبانهم، وتهكم بهم، حيث كان اتخاذهم إياهم أولياء من قبيل إعتاد العتاد، وإعداد الزاد ليوم المعاد، فكأنه قيل: إنا أعتدنا لهم مكان ما أعدوا لأنفسهم من العدة والذخر جهنم عدة، وفي إيراد النزل إيماء إلى أن لهم وراء جهنم من العذاب ما هو أنموذج له، وقيل: النزل موضع النزول، ولذلك فسره رضي الله عنهما بالمثوى. ابن عباس