إنا مكنا له في الأرض وآتيناه من كل شيء سببا
إنا مكنا له في الأرض شروع في تلاوة الذكر المعهود حسبما هو الموعود. والتمكين ههنا الإقدار، وتمهيد الأسباب. يقال: مكنه، ومكن له. ومعنى الأول: جعله قادرا وقويا. ومعنى الثاني: جعل له قدرة وقوة. ولتلازمهما في الوجود، وتقاربهما في المعنى، يستعمل كل منهما في محل الآخر، كما في قوله عز وعلا: مكناهم في الأرض ما لم نمكن لكم أي: جعلناهم [ ص: 242 ] قادرين -من حيث القوى والأسباب والآلات- على أنواع التصرفات فيها ما لم نجعله لكم من القوة والسعة في المال، والاستظهار بالعدد والأسباب، فكأنه قيل: ما لم نمكنكم فيها، أي: ما لم نجعلكم قادرين على ذلك فيها، أو مكنا لهم في الأرض ما لم نمكن لكم، وهكذا. إذا كان التمكين مأخوذا من المكان بناء على توهم ميمه أصلية، كما أشير إليه في سورة يوسف عليه الصلاة والسلام. والمعنى: إنا جعلنا له مكنة وقدرة على التصرف في الأرض من حيث التدبير، والرأي، والأسباب، حيث سخر له السحاب، ومد له في الأسباب، وبسط له النور ، وكان الليل والنهار عليه سواء، وسهل عليه السير في الأرض، وذللت له طرقها. وآتيناه من كل شيء أراده من مهمات ملكه، ومقاصده المتعلقة بسلطانه. سببا أي: طريقا يوصله إليه، وهو كل ما يتوصل به إلى المقصود من علم أو قدرة أو آلة.