واصبر نفسك احبسها، وثبتها مصاحبة. مع الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي أي: دائبين على الدعاء في جميع الأوقات، وقيل: في طرف في النهار. وقرئ: (بالغدوة) على أن إدخال اللام عليها، وهي علم في الأغلب على تأويل التنكير بهم. والمراد بـ "هم" فقراء المؤمنين مثل: ، صهيب ، وعمار ، ونحوهم رضي الله عنهم. وقيل: أصحاب الصفة، وكانوا نحو سبعمائة رجل. قيل إنه قال قوم من رؤساء الكفرة لرسول الله صلى الله عليه وسلم: نح هؤلاء الموالي الذين كأن ريحهم ريح الضأن حتى نجالسك، كما قال قوم وخباب نوح عليه السلام: أنؤمن لك واتبعك الأرذلون فنزلت. والتعبير عنهم بالموصول لتعليل الأمر بما في حيز [ ص: 219 ] الصلة من الخصلة الداعية إلى إدامة الصحبة يريدون بدعائهم ذلك وجهه حال من المستكن في يدعون، أي: مريدين لرضاه تعالى، وطاعته. ولا تعد عيناك عنهم أي: لا يجاوزهم نظرك إلى غيرهم من عداه، أي: جاوزه. واستعماله بـ "عن" لتضمينه معنى النبو أو لا تصرف عيناك النظر عنهم إلى غيرهم من عدوته عن الأمر، أي: صرفته عنه على أن المفعول محذوف لظهوره. وقرئ: (ولا تعد عينيك) (ولا تعد عينيك) من الإعداء والتعدية، والمراد نهيه صلى الله عليه وسلم عن الازدراء بهم، لرثاثة زيهم طموحا إلى زي الأغنياء. تريد زينة الحياة الدنيا أي: تطلب مجالسة الأشراف، والأغنياء، وأصحاب الدنيا. وهي حال من الكاف على الوجه الأول من القراءة المشهورة، ومن الفاعل على الوجه الثاني منها، وضمير تريد للعينين، وإسناد الإرادة إليه مجاز، وتوحيده للتلازم كما في قوله:
لمن زحلوقة زل بها العينان تنهل
ومن المستكن في الفعل على القراءتين الأخيرتين.
ولا تطع في تنحية الفقراء عن مجالسك. من أغفلنا قلبه أي: جعلناه غافلا لبطلان استعداده للذكر بالمرة، أو وجدناه غافلا كقولك: أجبنته، وأبخلته إذا وجدته كذلك، أو هو من أغفل إبله، أي: لم نسمه بالذكر. عن ذكرنا كأولئك الذين يدعونك إلى طرد الفقراء عن مجلسك، فإنهم غافلون عن ذكرنا على خلاف ما عليه المؤمنون من الدعاء في مجامع الأوقات، وفيه تنبيه على أن الباعث له على ذلك الدعاء غفلة قلبه عن جناب الله سبحانه، وجهته، وانهماكه في الحسيات، حتى خفي عليه أن الشرف بحلية النفس لا بزينة الجسد. وقرئ: (أغفلنا قلبه) على إسناد الفعل إلى القلب، أي: حسبنا غافلين عن ذكرنا إياه بالمؤاخذة من أغفلته إذا وجدته غافلا. واتبع هواه وكان أمره فرطا ضياعا وهلاكا، أو متقدما للحق والصواب نابذا له وراء ظهره من قولهم: فرس فرط أي: متقدم للخيل، أو هو بمعنى الإفراط، والتفريط فإن الغفلة عن ذكره سبحانه تؤدي إلى اتباع الهوى المؤدي إلى التجاوز، والتباعد عن الحق والصواب، والتعبير عنهم بالموصول للإيذان بعلية ما في حيز الصلة للنهي عن الإطاعة.