والله جعل لكم مما خلق ظلالا وجعل لكم من الجبال أكنانا وجعل لكم سرابيل تقيكم الحر وسرابيل تقيكم بأسكم كذلك يتم نعمته عليكم لعلكم تسلمون
والله جعل لكم مما خلق من غير صنع من قبلكم ظلالا أشياء تستظلون بها من الحر كالغمام والشجر والجبل وغيرها، امتن سبحانه بذلك لما أن تلك الديار غالبة الحرارة وجعل لكم من الجبال أكنانا مواضيع تسكنون فيها من الكهوف، والغيران والسروب ، والكلام في الترتيب الواقع بين المفاعيل كالذي مر غير مرة وجعل لكم سرابيل جمع سربال، وهو كل ما يلبس، أي: جعل لكم ثيابا من القطن والكتان والصوف وغيرها، تقيكم الحر خصه بالذكر اكتفاء بذكر أحد الضدين عن ذكر الآخر، أو لأن وقايته هي الأهم عندهم لما مر آنفا وسرابيل من الدروع والجواشن تقيكم بأسكم أي: البأس الذي يصل إلى بعضكم من بعض في الحرب من الضرب والطعن، ولقد من الله سبحانه علينا حيث ذكر جميع نعمه الفائضة على جميع الطوائف فبدأ بما يخص المقيمين، حيث قال: والله جعل لكم من بيوتكم سكنا ثم بما يخص المسافرين ممن لهم قدرة على الخيام وأضرابها حيث قال: وجعل لكم من جلود الأنعام ... إلخ. ثم بما يعم من لا يقدر على ذلك، ولا يأويه إلا الظلال حيث قال جعل لكم مما خلق ظلالا ... إلخ. ثم بما لا بد منه لأحد حيث قال: وجعل لكم سرابيل ... إلخ. ثم بما لا غنى عنه في الحروب حيث قال: وسرابيل تقيكم بأسكم ثم قال: كذلك أي: مثل ذلك الإتمام البالغ يتم نعمته عليكم لعلكم تسلمون أي: إرادة أن تنظروا فيما أسبغ عليكم من النعم الظاهرة، والباطنة، والأنفسية، والآفاقية. فتعرفوا حق منعهما، فتؤمنوا به وحده، وتذروا ما كنتم به تشركون، وتنقادوا لأمره. وإفراد النعمة: إما لأن المراد بها المصدر، أو لإظهار أن ذلك بالنسبة إلى جانب الكبرياء شيء قليل. وقرئ: (تسلمون) أي: تسلمون من العذاب، أو من الشرك. وقيل: من الجراح بلبس الدروع.