أولئك الذين اشتروا الضلالة بالهدى والعذاب بالمغفرة فما أصبرهم على النار .
أولئك : إشارة إلى ما أشير إليه بنظيره؛ بالاعتبار المذكور خاصة؛ لا مع ما يتلوه من أحوالهم الفظيعة؛ إذ لا دخل لها في الحكم الذي يراد إثباته ههنا؛ فإن المقصود تصوير ما باشروه من المعاملة بصورة قبيحة تنفر منها الطباع؛ ولا يتعاطاها عاقل أصلا؛ ببيان حقيقة ما نبذوه؛ وإظهار كنه ما أخذوه؛ وإبداء فظاعة تبعاته؛ وهو مبتدأ؛ خبره الموصول؛ أي: أولئك المشترون بكتاب الله - عز وجل - ثمنا قليلا؛ ليسوا بمشترين للثمن؛ وإن قل؛ بل هم: الذين اشتروا ؛ بالنسبة إلى الدنيا؛ الضلالة ؛ التي ليست مما يمكن أن يشترى قطعا؛ بالهدى ؛ الذي ليس من قبيل ما يبذل بمقابلة شيء؛ وإن جل؛ والعذاب ؛ أي: اشتروا؛ بالنظر إلى الآخرة؛ العذاب؛ الذي لا يتوهم كونه مما يشترى؛ بالمغفرة ؛ التي يتنافس فيها المتنافسون؛ فما أصبرهم على النار ؛ تعجيب من حالهم الهائلة؛ التي هي ملابستهم بما يوجب النار إيجابا قطعيا؛ كأنه عينها؛ و"ما" عند نكرة تامة؛ مفيدة لمعنى التعجب؛ مرفوعة بالابتداء؛ وتخصصها كتخصص "شر" في: "شر أهر ذا ناب"؛ خبرها ما بعدها؛ أي: شيء ما عظيم جعلهم صابرين على النار؛ وعند سيبويه استفهامية؛ وما بعدها خبرها؛ أي: أي شيء أصبرهم على النار؟! وقيل: هي موصولة؛ وقيل: موصوفة بما بعدها؛ والخبر محذوف؛ أي: الذي أصبرهم على النار؛ أو شيء أصبرهم على النار؛ أمر عجيب؛ فظيع. الفراء: