قولوا : خطاب للمؤمنين؛ بعد خطابه - عليه السلام -؛ برد مقالتهم الشنعاء؛ على الإجمال؛ وإرشاد لهم إلى طريق التوحيد؛ والإيمان؛ على ضرب من التفصيل؛ أي: قولوا لهم - بمقابلة ما قالوا؛ تحقيقا؛ وإرشادا ضمنيا لهم إليه -: آمنا بالله وما أنزل إلينا ؛ يعني القرآن؛ قدم على سائر الكتب الإلهية؛ مع تأخره عنها نزولا؛ لاختصاصه بنا؛ وكونه سببا للإيمان بها؛ وما أنزل إلى إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب والأسباط : الصحف؛ وإن كانت نازلة إلى إبراهيم - عليه السلام - لكن من بعده - حيث كانوا متعبدين بتفاصيلها؛ داخلين تحت أحكامها - جعلت منزلة إليهم؛ كما جعل القرآن منزلا إلينا. والأسباط: جمع "سبط"؛ وهو الحافد؛ والمراد بهم حفدة يعقوب - عليه السلام -؛ أو أبناؤه الاثنا عشر؛ وذراريهم؛ فإنهم حفدة إبراهيم؛ وإسحاق؛ وما أوتي موسى وعيسى ؛ من التوراة؛ والإنجيل؛ وسائر المعجزات الباهرة الظاهرة بأيديهما؛ حسبما فصل في التنزيل الجليل؛ وإيراد الإيتاء لما أشير إليه من التعميم؛ وتخصيصهما بالذكر لما أن الكلام مع اليهود والنصارى؛ وما أوتي النبيون ؛ أي: جملة المذكورين؛ وغيرهم؛ من ربهم ؛ من الآيات البينات؛ والمعجزات الباهرات؛ لا نفرق بين أحد منهم ؛ كدأب اليهود؛ والنصارى؛ آمنوا ببعض؛ وكفروا ببعض؛ وإنما اعتبر عدم التفريق بينهم؛ مع أن الكلام فيما أوتوه؛ لاستلزام عدم التفريق بينهم بالتصديق؛ والتكذيب؛ لعدم التفريق بين ما أوتوه. وهمزة "أحد": إما أصلية؛ فهو اسم؛ موضوع لمن يصلح أن يخاطب؛ يستوي فيه المفرد؛ والمثنى؛ والمجموع؛ والمذكر؛ والمؤنث؛ ولذلك صح دخول "بين" عليه؛ كما في مثل: "المال بين الناس"؛ ومنه ما في قوله - صلى الله عليه وسلم -: حيث وصف بالجمع؛ وإما مبدلة من الواو؛ فهو بمعنى "واحد"؛ وعمومه لوقوعه في حيز النفي؛ وصحة دخول "بين" عليه باعتبار معطوف قد حذف لظهوره؛ أي: "بين أحد منهم؛ وبين غيره"؛ كما في قول "ما أحلت الغنائم لأحد سود الرؤوس غيركم"؛ النابغة:
فما كان بين الخير لو جاء سالما ... أبو حجر إلا ليال قلائل
أي: بين الخير؛ وبيني؛ وفيه من الدلالة صريحا على تحقق عدم التفريق بين كل فرد منهم؛ وبين من عداه؛ كائنا من كان؛ ما ليس في أن يقال: لا نفرق بينهم؛ والجملة حال من الضمير في "آمنا". وقوله - عز وجل -: ونحن له مسلمون ؛ أي مخلصون له؛ ومذعنون؛ حال أخرى منه؛ أو عطف على "آمنا".