ووصى بها إبراهيم بنيه : شروع في بيان تكميله - عليه السلام - لغيره؛ إثر بيان كماله في نفسه؛ وفيه توكيد لوجوب الرغبة في ملته - عليه السلام -؛ والتوصية: التقدم إلى الغير بما فيه خير وصلاح للمسلمين؛ من فعل؛ أو قول؛ وأصلها: "الوصلة"؛ يقال: "وصاه"؛ إذا وصله؛ و"فصاه"؛ إذا فصله؛ كأن الموصي يصل فعله بفعل الوصي؛ والضمير في "بها" للملة؛ أو قوله: أسلمت لرب العالمين ؛ بتأويل الكلمة؛ كما عبر بها عن قوله (تعالى): إنني براء مما تعبدون إلا الذي فطرني ؛ في قوله - عز وجل -: وجعلها كلمة باقية في عقبه ؛ وقرئ: "أوصى"؛ والأول أبلغ؛ ويعقوب : عطف على "إبراهيم"؛ أي: وصى بها هو أيضا؛ وقرئ بالنصب؛ عطفا على "بنيه"؛ يا بني : على إضمار القول؛ عند البصريين؛ ومتعلق بـ "وصى"؛ عند الكوفيين؛ لأنه في معنى القول؛ كما في قوله:
رجلان من ضبة أخبرانا ... إنا رأينا رجلا عريانا
فهو عند الأولين بتقدير القول؛ وعند الآخرين متعلق بالإخبار؛ الذي هو في معنى القول؛ وقرئ: "أن يا بني"؛ وبنو إبراهيم - عليه السلام - كانوا أربعة: إسماعيل؛ وإسحاق؛ ومدين؛ ومدان؛ وقيل: ثمانية؛ وقيل: أربعة وعشرين؛ وكان بنو يعقوب اثني عشر: روبين؛ وشمعون؛ ولاوي؛ ويهوذا؛ ويشسوخور؛ وزبولون؛ وزوانا؛ وتفتونا؛ [ ص: 164 ]
وكوذا؛ وأوشير؛ وبنيامين؛ ويوسف - عليه السلام؛ إن الله اصطفى لكم الدين : دين الإسلام؛ الذي هو صفوة الأديان؛ ولا دين غيره عنده (تعالى)؛ فلا تموتن إلا وأنتم مسلمون : ظاهره النهي عن الموت على خلاف حال الإسلام؛ والمقصود: الأمر بالثبات على الإسلام؛ إلى حين الموت؛ أي: فاثبتوا عليه؛ ولا تفارقوه أبدا؛ كقولك: لا تصل إلا وأنت خاشع؛ وتغيير العبارة للدلالة على أن موتهم لا على الإسلام موت لا خير فيه؛ وأن حقه ألا يحل بهم؛ وأنه يجب أن يحذروه غاية الحذر؛ ونظيره: مت وأنت شهيد؛ روي أن اليهود قالوا لرسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ألست تعلم أن يعقوب أوصى باليهودية يوم مات؟ فنزلت: