بلى من كسب سيئة وأحاطت به خطيئته فأولئك أصحاب النار هم فيها خالدون والذين آمنوا وعملوا الصالحات أولئك أصحاب الجنة هم فيها خالدون
بلى إثبات لما نفوه من مساس النار لهم زمانا مديدا ودهرا طويلا على وجه أعم، ليكون كالبرهان على بطلان قولهم، وتختص بجواب النفي من كسب سيئة قبيحة، والفرق بينها وبين الخطيئة أنها قد تقال فيما يقصد بالذات، والخطيئة تغلب فيما يقصد بالعرض لأنه من الخطأ، والكسب: استجلاب النفع. وتعليقه بالسيئة على طريق قوله: فبشرهم بعذاب أليم .
وأحاطت به خطيئته أي استولت عليه، وشملت جملة أحواله حتى صار كالمحاط بها لا يخلو عنها شيء من جوانبه، وهذا إنما يصح في شأن الكافر لأن غيره وإن لم يكن له سوى تصديق قلبه وإقرار لسانه فلم تحط الخطيئة به، ولذلك فسرها السلف بالكفر. وتحقيق ذلك: أن من أذنب ذنبا ولم يقلع عنه استجره إلى معاودة مثله والانهماك فيه وارتكاب ما هو أكبر منه، حتى تستولي عليه الذنوب وتأخذ بمجامع قلبه فيصير بطبعه مائلا إلى المعاصي، مستحسنا إياها معتقدا أن لا لذة سواها، مبغضا لمن يمنعه عنها مكذبا لمن ينصحه فيها، كما قال الله تعالى: ثم كان عاقبة الذين أساءوا السوأى أن كذبوا بآيات الله . وقرأ خطيئاته. نافع
وقرئ « خطيته » و « خطياته » على القلب والإدغام فيهما. فأولئك أصحاب النار ملازموها في الآخرة كما أنهم ملازمون أسبابها في الدنيا هم فيها خالدون دائمون، أو لابثون لبثا طويلا. والآية كما ترى لا حجة فيها على خلود صاحب الكبيرة وكذا التي قبلها.
[ ص: 91 ] والذين آمنوا وعملوا الصالحات أولئك أصحاب الجنة هم فيها خالدون جرت عادته سبحانه وتعالى على أن يشفع وعده بوعيده، لترجى رحمته ويخشى عذابه، وعطف العمل على الإيمان يدل على خروجه عن مسماه.