في قلوبهم مرض فزادهم الله مرضا ولهم عذاب أليم بما كانوا يكذبون
في قلوبهم مرض فزادهم الله مرضا المرض حقيقة فيما يعرض للبدن فيخرجه عن الاعتدال الخاص به ويوجب الخلل في أفعاله. ومجاز في الأعراض النفسانية التي تخل بكمالها كالجهل وسوء العقيدة والحسد والضغينة وحب المعاصي، لأنها مانعة من نيل الفضائل، أو مؤدية إلى زوال الحياة الحقيقية الأبدية. والآية الكريمة تحتملهما فإن قلوبهم كانت متألمة تحرقا على ما فات عنهم من الرياسة، وحسدا على ما يرون من ثبات أمر الرسول صلى الله عليه وسلم واستعلاء شأنه يوما فيوما، وزاد الله غمهم بما زاد في إعلاء أمره وإشادة ذكره، ونفوسهم كانت موصوفة بالكفر وسوء الاعتقاد ومعاداة النبي صلى الله عليه وسلم ونحوها، فزاد الله سبحانه وتعالى ذلك بالطبع. أو بازدياد التكاليف وتكرير الوحي وتضاعف النصر، وكان إسناد الزيادة إلى الله تعالى من حيث إنه مسبب من فعله وإسنادها إلى السورة في قوله تعالى فزادتهم رجسا لكونها سببا.
ويحتمل أن يراد بالمرض ما تداخل قلوبهم من الجبن والخور حين شاهدوا شوكة المسلمين وإمداد الله تعالى لهم بالملائكة، وقذف الرعب في قلوبهم وبزيادته تضعيفه بما زاد لرسول الله صلى الله عليه وسلم نصرة على الأعداء وتبسطا في البلاد.
ولهم عذاب أليم أي: مؤلم يقال: ألم فهو أليم كوجع فهو وجيع، وصف به العذاب للمبالغة كقوله:
تحية بينهم ضرب وجيع
على طريقة قولهم: جد جده. بما كانوا يكذبون قرأها عاصم وحمزة والمعنى بسبب كذبهم أو ببدله جزاء لهم وهو قولهم آمنا. وقرأ الباقون والكسائي، يكذبون ، من كذبه لأنهم كانوا يكذبون الرسول عليه الصلاة والسلام بقلوبهم، وإذا خلوا إلى شياطينهم. أو من كذب الذي هو للمبالغة أو للتكثير مثل بين الشيء وموتت البهائم. أو من كذب الوحشي إذا جرى شوطا وقف لينظر ما وراءه فإن المنافق متحير متردد.
والكذب: هو الخبر عن الشيء على خلاف ما هو به. وهو حرام كله لأنه علل به استحقاق العذاب حيث [ ص: 46 ] رتب عليه. وما روي أن إبراهيم عليه الصلاة والسلام كذب ثلاث كذبات، فالمراد التعريض. ولكن لما شابه الكذب في صورته سمي به.