قوله تعالى : إذ قالوا ليوسف وأخوه أحب إلى أبينا منا .
أخرج ، ابن جرير ، عن وابن أبي حاتم قال : كان السدي يعقوب نازلا بالشام وكان ليس له هم إلا يوسف وأخوه بنيامين فحسده إخوته مما رأوا من حب أبيه له ، ورأى يوسف في النوم رؤيا أن ( أحد عشر كوكبا والشمس ) ساجدين له فحدث أباه بها فقال له يعقوب : ( يا بني لا تقصص رؤياك على إخوتك فيكيدوا لك كيدا ) فبلغ إخوة يوسف الرؤيا فحسدوه فقالوا ( ليوسف وأخوه ) بنيامين ( أحب إلى أبينا منا ونحن عصبة ) - كانوا عشرة – ( إن أبانا لفي ضلال مبين ) قالوا : في ضلال من أمرنا ، ( اقتلوا يوسف أو اطرحوه أرضا يخل لكم وجه أبيكم وتكونوا من بعده قوما صالحين ) يقول : تتوبون مما صنعتم به ، ( قال قائل منهم ) وهو يهوذا ( لا تقتلوا يوسف وألقوه في غيابت الجب يلتقطه بعض السيارة إن كنتم فاعلين ) ، فلما أجمعوا أمرهم على ذلك أتوا أباهم فقالوا ( يا أبانا ما لك لا تأمنا على يوسف ) قال : لن أرسله معكم إني (
عنه غافلون قالوا لئن أكله الذئب ونحن عصبة إنا إذا لخاسرون أخاف أن يأكله الذئب وأنتم [ ص: 187 ] ) فأرسله معهم فأخرجوه وبه عليهم كرامة ، فلما برزوا إلى البرية أظهروا له العداوة فجعل يضربه أحدهم فيستغيث بالآخر فيضربه فجعل لا يرى منهم رحيما فضربوه حتى كادوا يقتلونه فجعل يصيح ويقول : يا أبتاه يا يعقوب لو تعلم ما صنع بابنك بنو الإماء ، فلما كادوا يقتلونه قال يهوذا : أليس قد أعطيتموني موثقا ألا تقتلوه ، فانطلقوا به إلى الجب ليطرحوه فيه فجعلوا يدلونه في البئر فيتعلق بشفير البئر فربطوا يديه ونزعوا قميصه فقال : يا إخوتاه ردوا علي قميصي أتوارى به في الجب ، فقالوا له : ادع الأحد عشر كوكبا والشمس والقمر يؤنسوك ، قال : فإني لم أر شيئا ، فدلوه في البئر حتى إذا بلغ نصفها ألقوه إرادة أن يموت فكان في البئر ماء فسقط فيه فلم يضره ثم أوى إلى صخرة في البئر فقام عليها فجعل يبكي فناداه إخوته فظن أنها رقة أدركتهم فأجابهم فأرادوا أن يرضخوه بصخرة فقام يهوذا فمنعهم وقال : قد أعطيتموني موثقا ألا تقتلوه فكان يهوذا يأتيه بالطعام ، ثم إنهم رجعوا إلى أبيهم فأخذوا جديا من الغنم فذبحوه ونضحوا دمه على القميص ثم أقبلوا إلى أبيهم عشاء يبكون فلما سمع أصواتهم فزع وقال : يا بني ما لكم هل أصابكم في غنمكم شيء ، قالوا : لا ، قال : فما فعل يوسف : ( قالوا يا أبانا إنا ذهبنا نستبق وتركنا يوسف عند متاعنا فأكله الذئب وما أنت بمؤمن لنا ) يعني بمصدق لنا ( ولو كنا صادقين ) .
[ ص: 188 ]
فبكى الشيخ وصاح بأعلى صوته ثم قال : أين القميص فجاءوا بقميصه وعليه دم كذب فأخذ القميص وطرحه على وجهه ثم بكى حتى خضب وجهه من دم القميص ثم قال : إن هذا الذئب يا بني لرحيم فكيف أكل لحمه ولم يخرق قميصه . ( وجاءت سيارة فأرسلوا واردهم فأدلى دلوه ) فتعلق يوسف بالحبل فخرج فلما رآه صاحب الدلو دعا رجلا من أصحابه يقال له بشرى فقال : ( يا بشراي هذا غلام ) ، فسمع به إخوة يوسف فجاءوا فقالوا : هذا عبد لنا آبق ورطنوا له بلسانهم فقالوا : لئن أنكرت أنك عبد لنا لنقتلنك أترانا نرجع بك إلى يعقوب وقد أخبرناه أن الذئب قد أكلك ، قال : يا إخوتاه ارجعوا بي إلى أبي يعقوب فأنا أضمن لكم رضاه ولا أذكر لكم هذا أبدا ، فأبوا فقال الغلام : أنا عبد لهم ، فلما اشتراه الرجلان فرقا من الرفقة أن يقولا اشتريناه فيسألونهما الشركة فيه فقالا : نقول إن سألونا ما هذا نقول هذا بضاعة استبضعناها أهل البئر ، فذلك قوله : ( وأسروه بضاعة ) ، (
بثمن بخس دراهم معدودة وشروه [ ص: 189 ] ) - وكانت عشرين درهما - وكانوا في يوسف من الزاهدين .
فانطلقوا به إلى مصر فاشتراه العزيز - ملك مصر - فانطلق به إلى بيته فقال لامرأته ( أكرمي مثواه عسى أن ينفعنا أو نتخذه ولدا ) فأحبته امرأته فقالت له : يا يوسف ما أحسن شعرك ، قال : هو أول ما يتناثر من جسدي ، قالت : يا يوسف ما أحسن عينيك قال : هما أول ما يسيلان إلى الأرض من جسدي ، قالت : يا يوسف ما أحسن وجهك قال : هو للتراب يأكله ( وقالت هيت لك ) هلم لك - وهي بالقبطية - ( قال معاذ الله إنه ربي ) قال : سيدي ( أحسن مثواي ) فلا أخونه في أهله .
فلم تزل به حتى أطمعها فهمت به وهم بها فدخلا البيت ( وغلقت الأبواب ) فذهب ليحل سراويله فإذا هو بصورة يعقوب قائما [ ص: 190 ]
في البيت قد عض على أصبعه يقول : يا يوسف لا تواقعها فإنما مثلك مثل الطير في جو السماء لا يطاق ومثلك إذا وقعت عليها مثله إذا مات فوقع على الأرض لا يستطيع أن يدفع عن نفسه ومثلك ما لم تواقعها مثل الثور الصعب الذي لم يعمل عليه ومثلك إذا واقعتها مثله إذا مات فدخل النمل في أصل قرنيه لا يستطيع أن يدفع عن نفسه ، فربط سراويله وذهب ليخرج فأدركته فأخذت بمؤخر قميصه من خلفه فخرقته حتى أخرجته منه وسقط وطرحه يوسف واشتد نحو الباب وألفيا سيدها جالسا عند الباب هو وابن عم المرأة فلما رأته المرأة ( قالت ما جزاء من أراد بأهلك سوءا إلا أن يسجن أو عذاب أليم ) إنه راودني عن نفسي فدفعته عني فشققت قميصه ، فقال يوسف : لا بل هي راودتني عن نفسي فأبيت وفررت منها فأدركتني فأخذت بقميصي فشقته علي ، فقال ابن عمها : في القميص تبيان الأمر انظروا إن كان القميص قد من قبل فصدقت وهو من الكاذبين وإن كان قد من دبر فكذبت وهو من الصادقين فلما أتي بالقميص وجده قد قد من دبر فقال : ( إنه من كيدكن إن كيدكن عظيم يوسف أعرض عن هذا واستغفري لذنبك ) يقول : لا تعودي لذنبك .
(
حبا وقال نسوة في المدينة امرأة العزيز تراود فتاها عن نفسه قد شغفها [ ص: 191 ] ) والشغاف جلدة على القلب يقال لها لسان القلب يقول دخل الحب الجلد حتى أصاب القلب ( فلما سمعت بمكرهن ) يقول بقولهن ( أرسلت إليهن وأعتدت لهن متكأ ) يتكئن عليه ( وآتت كل واحدة منهن سكينا ) وأترجا يأكلنه وقالت ليوسف : ( اخرج عليهن ) ، فلما خرج ورأى النسوة يوسف أعظمنه وجعلن يحززن أيديهن وهم يحسبن أنهن يقطعن الأترج ويقلن ( حاش لله ما هذا بشرا إن هذا إلا ملك كريم ) قالت : ( فذلكن الذي لمتنني فيه ولقد راودته عن نفسه فاستعصم ) بعدما كان قد حل سراويله ثم لا أدري ما بدا له .
قال يوسف ( رب السجن أحب إلي مما يدعونني إليه ) يقول الحبس أحب إلي مما يدعونني إليه من الزنى ، ثم إن المرأة قالت لزوجها : إن العبد العبراني قد فضحني في الناس إنه يعتذر إليهم ويخبرهم أني راودته عن نفسه ولست أطيق أن أعتذر بعذري فإما أن تأذن لي فأخرج فاعتذر كما يعتذر وإما أن تحبسه كما حبستني فذلك قوله : ( ثم بدا لهم من بعد ما رأوا الآيات ) وهو شق القميص وقطع الأيدي ( ليسجننه حتى حين ) .
( ودخل معه السجن فتيان ) غضب الملك على خبازه بلغه أنه يريد [ ص: 192 ]
أن يسمه فحبسه وحبس الساقي وظن أنه مالأه على السم .
فلما دخل يوسف السجن قال : إني أعبر الأحلام ، فقال أحد الفتيين : هلم فلنجرب قول هذا العبد العبراني فتراءيا من غير أن يكونا رأيا شيئا ولكنهما خرصا فعبر لهما يوسف خرصهما فقال الساقي : رأيتني أعصر خمرا ، وقال الخباز : رأيتني أحمل فوق رأسي خبزا تأكل الطير منه ، قال يوسف : ( لا يأتيكما طعام ترزقانه ) في النوم ( إلا نبأتكما بتأويله ) في اليقظة ثم قال : ( يا صاحبي السجن أما أحدكما فيسقي ربه خمرا ) فيعاد على مكانه ( وأما الآخر فيصلب فتأكل الطير من رأسه ) ففزعا وقالا : والله ما رأينا شيئا ، قال يوسف : ( قضي الأمر الذي فيه تستفتيان ) إن هذا كائن لا بد منه وقال يوسف عليه السلام للساقي : ( اذكرني عند ربك ) ، ثم إن الله أرى الملك رؤيا في منامه هالته فرأى سبع بقرات سمان يأكلهن سبع عجاف وسبع سنبلات خضر يأكلهن سبع يابسات فجمع السحرة والكهنة والعافة - وهم القافة - والحازة - وهم الذين يزجرون الطير - فقصها عليهم فقالوا : ( أضغاث أحلام وما نحن بتأويل الأحلام بعالمين ) .
( وقال الذي نجا منهما وادكر بعد أمة أنا أنبئكم بتأويله فأرسلون ) ، قال : لم يكن السجن في المدينة فانطلق الساقي إلى ابن عباس يوسف [ ص: 193 ]
فقال : ( أفتنا في سبع بقرات ) إلى قوله : ( لعلي أرجع إلى الناس لعلهم يعلمون ) تأويلها قال : ( تزرعون سبع سنين دأبا فما حصدتم فذروه في سنبله ) قال هو أبقى له ( إلا قليلا مما تأكلون ثم يأتي من بعد ذلك سبع شداد يأكلن ما قدمتم لهن إلا قليلا مما تحصنون ) قال : مما ترفعون ( ثم يأتي من بعد ذلك عام فيه يغاث الناس وفيه يعصرون ) قال : العنب فلما أتى الملك الرسول وأخبره قال : ( ائتوني به ) ( فلما جاءه الرسول ) فأمره أن يخرج إلى الملك أبى يوسف وقال : ( ارجع إلى ربك فاسأله ما بال النسوة اللاتي قطعن أيديهن ) .
قال : قال السدي : لو خرج ابن عباس يوسف يومئذ قبل أن يعلم الملك بشأنه ما زالت في نفس العزيز منه حاجة يقول هذا الذي راود امرأته .
قال الملك ائتوني بهن قال : ( ما خطبكن إذ راودتن يوسف عن نفسه ) قلن ( حاش لله ما علمنا عليه من سوء ) ولكن امرأة العزيز أخبرتنا أنها راودته عن نفسه ودخل معها البيت وحل سراويله ثم شده بعد ذلك ولا تدري ما بدا له ، فقالت امرأة العزيز ( الآن حصحص الحق ) قال تبين ، ( أنا راودته عن نفسه ) قال يوسف - وقد جيء به - ( ذلك ليعلم ) العزيز ( أني لم أخنه بالغيب ) في أهله ( وأن الله لا يهدي كيد الخائنين ) ، فقالت امرأة العزيز : يا يوسف ولا حين حللت السراويل قال يوسف : ( وما أبرئ نفسي ) .
فلما وجد الملك له عذرا قال : ( ائتوني به أستخلصه لنفسي ) فاستعمله على مصر فكان صاحب أمرها هو الذي يلي البيع والأمر فأصاب الأرض الجوع وأصاب بلاد يعقوب التي كان فيها فبعث بنيه إلى مصر وأمسك [ ص: 194 ]
بنيامين أخا يوسف فلما دخلوا على يوسف ( فعرفهم وهم له منكرون ) فلما نظر إليهم أخذهم وأدخلهم الدار - وأدخل المكوك - وقال لهم : أخبروني ما أمركم فإني أنكر شأنكم ، قالوا : نحن من أرض الشام ، قال : فما جاء بكم قالوا : نمتار طعاما ، قال : كذبتم أنتم عيون كم أنتم قالوا نحن عشرة ، قال أنتم عشرة آلاف كل رجل منكم أمير ألف فأخبروني خبركم ، قالوا : إنا إخوة بنو رجل صديق وإنا كنا اثني عشر فكان يحب أخا لنا وإنه ذهب معنا إلى البرية فهلك منا فيها وكان أحبنا إلى أبينا ، قال : فإلى من يسكن أبوكم بعده ، قالوا إلى أخ له أصغر منه ، قال : كيف تحدثوني أن أباكم صديق وهو يحب الصغير منكم دون الكبير ائتوني بأخيكم هذا حتى أنظر إليه ( فإن لم تأتوني به فلا كيل لكم عندي ولا تقربون ) قالوا ( سنراود عنه أباه وإنا لفاعلون ) قال : فإني أخشى أن لا تأتوني به فضعوا بعضكم رهينة حتى ترجعوا ، فارتهن شمعون عنده فقال لفتيته وهو يكيل لهم : ( اجعلوا بضاعتهم في رحالهم لعلهم يعرفونها إذا انقلبوا إلى أهلهم لعلهم يرجعون ) إلي .
فلما رجع القوم إلى أبيهم كلموه فقالوا : يا أبانا إن ملك مصر أكرمنا كرامة لو كان رجلا منا من بني يعقوب ما أكرمنا كرامته وإنه ارتهن شمعون وقال : ائتوني بأخيكم هذا الذي عطف عليه أبوكم بعد أخيكم الذي هلك حتى أنظر إليه فإن لم تأتوني به فلا تقربوا بلادي أبدا ، فقال لهم يعقوب : إذا أتيتم [ ص: 195 ]
ملك مصر فأقرئوه مني السلام وقولوا : إن أبانا يصلي عليك ويدعو لك بما أوليتنا ( ولما فتحوا متاعهم وجدوا بضاعتهم ردت إليهم ) أتوا أباهم ( قالوا يا أبانا ما نبغي هذه بضاعتنا ردت إلينا ) ، فقال أبوهم حين رأى ذلك : ( لن أرسله معكم حتى تؤتون موثقا من الله لتأتنني به إلا أن يحاط بكم ) ، فحلفوا له ( فلما آتوه موثقهم ) قال يعقوب : ( الله على ما نقول وكيل ) .
ورهب عليهم أن يصيبهم العين إن دخلوا مصر فيقال هؤلاء لرجل واحد قال : ( يا بني لا تدخلوا من باب واحد ) - يقول من طريق واحد - فلما دخلوا على يوسف عرف أخاه فأنزلهم منزلا وأجرى عليهم الطعام والشراب فلما كان الليل أتاهم بمثل قال : لينم كل أخوين منكم على مثال حتى بقي الغلام وحده فقال يوسف : هذا ينام معي على فراشي فبات مع يوسف فجعل يشم ريحه ويضمه إليه حتى أصبح وجعل يقول روبيل : ما رأينا رجلا مثل هذا إن نحن نجونا منه .
( فلما جهزهم بجهازهم جعل السقاية في رحل أخيه ) والأخ لا يشعر فلما ارتحلوا ( أذن مؤذن ) قبل أن يرتحل العير : ( أيتها العير إنكم لسارقون ) فانقطعت ظهورهم ( وأقبلوا عليهم ) يقولون : ( ماذا تفقدون ) إلى قوله : ( فما جزاؤه إن كنتم كاذبين قالوا جزاؤه من وجد في رحله فهو جزاؤه ) يقول تأخذونه فهو لكم (
قبل وعاء أخيه فبدأ بأوعيتهم [ ص: 196 ] ) فلما بقي رحل الغلام قال : ما كان هذا الغلام ليأخذها ، قالوا والله لا يترك حتى تنظر في رحله ونذهب وقد طابت نفسك فأدخل يده في رحله فاستخرجها من رحل أخيه ، يقول الله ( كذلك كدنا ليوسف ) يقول صنعنا ليوسف ( ما كان ليأخذ أخاه في دين الملك ) يقول في حكم الملك ( إلا أن يشاء الله ) ولكن صنعنا لشأنهم قالوا ( فهو جزاؤه ) ، قال : فلما استخرجها من رحل الغلام انقطعت ظهورهم وهلكوا وقالوا : ما يزال لنا منكم بلاء يا بني راحيل حتى أخذت هذا الصواع ، قال بنيامين : بل بنو راحيل الذين لا يزال لهم منكم بلاء ذهبتم بأخي فأهلكتموه في البرية وما وضع هذا الصواع في رحلي إلا الذي وضع الدراهم في رحالكم قالوا لا تذكر الدراهم فتؤخذ بها فوقعوا فيه وشتموه فلما أدخلوهم على يوسف دعا بالصواع ثم نقر فيه ثم أدناه من أذنه ثم قال : إن صواعي هذا ليخبرني أنكم كنتم اثني عشر أخا وإنكم انطلقتم بأخ لكم فبعتموه .
فلما سمعها بنيامين قام فسجد ليوسف وقال : أيها الملك سل صواعك هذا أحي أخي ذاك أم لا فنقرها يوسف ثم قال : نعم هو حي وسوف تراه ، قال : اصنع بي ما شئت فإنه إن علم بي استنقذني ، فدخل يوسف فبكى ثم توضأ ثم خرج ، فقال بنيامين : أيها الملك إني أراك تضرب بصواعك فيخبرك بالحق فسله من صاحبه فنقر فيه ثم قال : إن صواعي هذا غضبان يقول : [ ص: 197 ]
كيف تسألني من صاحبي وقد رأيت مع من كنت وكان بنو يعقوب إذا غضبوا لم يطاقوا فغضب روبيل فقام فقال : أيها الملك والله لتتركنا أو لأصيحن صيحة لا تبقى امرأة حامل بمصر إلا طرحت ما في بطنها وقامت كل شعرة من جسد روبيل فخرجت من ثيابه فقال يوسف لابنه : مر إلى جنب روبيل فمسه وكان بنو يعقوب إذا غضب أحدهم فمسه الآخر ذهب غضبه فمر الغلام إلى جنبه فمسه فذهب غضبه فقال روبيل : من هذا ، إن في هذه البلاد لبزرا من بزر يعقوب ، قال يوسف : ومن يعقوب فغضب روبيل فقال : يا أيها الملك لا تذكرن يعقوب فإنه سري الله ابن ذبيح الله ابن خليل الله فقال يوسف : أنت إذن إن كنت صادقا فإذا أتيتم أباكم فاقرؤوا عليه مني السلام وقولوا له : إن ملك مصر يدعو لك ألا تموت حتى ترى ابنك يوسف حتى يعلم أبوكم أن في الأرض صديقين مثله .
فلما أيسوا منه وأخرج لهم شمعون وكان قد ارتهنه خلوا بينهم ( نجيا ) يتناجون بينهم قال كبيرهم - وهو روبيل ولم يكن بأكبرهم سنا ولكن كان كبيرهم في العلم - : ( ألم تعلموا أن أباكم قد أخذ عليكم موثقا من الله ومن قبل ما فرطتم في يوسف فلن أبرح الأرض حتى يأذن لي أبي أو يحكم الله لي وهو خير الحاكمين ) .
فأقام روبيل بمصر وأقبل التسعة إلى يعقوب [ ص: 198 ]
فأخبروه الخبر فبكى وقال : يا بني ما تذهبون من مرة إلا نقصتم واحدا ، ذهبتم فنقصتم يوسف ثم ذهبتم الثانية فنقصتم شمعون ثم ذهبتم الثالثة فنقصتم بنيامين وروبيل ( فصبر جميل عسى الله أن يأتيني بهم جميعا إنه هو العليم الحكيم وتولى عنهم وقال يا أسفى على يوسف وابيضت عيناه من الحزن فهو كظيم ) من الغيظ ، ( قالوا تالله تفتأ تذكر يوسف ) قال : لا تزال تذكر يوسف ( حتى تكون حرضا ) باليا ( أو تكون من الهالكين ) الميتين ، ( قال إنما أشكو بثي وحزني إلى الله وأعلم من الله ما لا تعلمون ) .
قال : أتى جبريل يوسف وهو في السجن فسلم عليه وجاءه في صورة رجل حسن الوجه طيب الريح نقي الثياب فقال له يوسف : أيها الملك الحسن وجهه الكريم على ربه الطيب ريحه حدثني كيف يعقوب قال حزن عليك حزنا شديدا ، قال فما بلغ من حزنه قال حزن سبعين مثكلة ، قال فما بلغ من أجره قال أجر سبعين شهيدا ، قال يوسف : فإلى من أوى بعدي قال إلى أخيك بنيامين ، قال فتراني ألقاه قال نعم ، فبكى يوسف لما لقي أبوه بعده ثم قال : ما أبالي بما لقيت إن الله أرانيه .
قال : فلما أخبروه بدعاء الملك أحست نفس يعقوب وقال : ما يكون في الأرض صديق إلا ابني فطمع وقال : لعله يوسف ، ثم قال : ( يا بني اذهبوا فتحسسوا من يوسف وأخيه ) بمصر ( ولا تيأسوا من روح الله ) ، قال : من [ ص: 199 ]
فرج الله أن يرد يوسف فلما رجعوا إليه قالوا ( يا أيها العزيز مسنا وأهلنا الضر وجئنا ببضاعة مزجاة فأوف لنا الكيل ) بها كما كنت تعطينا بالدراهم الجيدة ( وتصدق علينا ) بفضل ما بين الجياد والرديئة .
قال لهم يوسف - ورحمهم عند ذلك - : ( هل علمتم ما فعلتم بيوسف وأخيه إذ أنتم جاهلون ) قالوا ( أإنك لأنت يوسف ) قال : ( أنا يوسف وهذا أخي قد من الله علينا ) ، فاعتذروا إليه وقالوا ( تالله لقد آثرك الله علينا وإن كنا لخاطئين ) قال : ( لا تثريب عليكم اليوم ) لا أذكر لكم ذنبكم ( يغفر الله لكم ) .
ثم قال لهم ما فعل أبي بعدي قالوا عمي من الحزن ، فقال : ( اذهبوا بقميصي هذا فألقوه على وجه أبي يأت بصيرا وأتوني بأهلكم أجمعين ) ، فقال يهوذا أنا ذهبت بالقميص إلى يعقوب وهو متلطخ بالدماء وقلت : إن يوسف قد أكله الذئب وأنا اليوم أذهب بالقميص وأخبره أن يوسف حي فأفرحه كما أحزنته ، فهو كان البشير .
( ولما فصلت العير ) من مصر منطلقة إلى الشام وجد يعقوب ريح يوسف فقال لبني بنيه : ( إني لأجد ريح يوسف لولا أن تفندون ) ، قال له بنو بنيه ( تالله إنك لفي ضلالك القديم ) من شأن يوسف ( فلما أن جاء البشير ) وهو يهوذا ألقى القميص على وجهه ( فارتد بصيرا ) ، قال يعقوب لبنيه ( ألم أقل لكم إني أعلم من الله ما لا تعلمون ) .
ثم حملوا أهلهم وعيالهم فلما بلغوا مصر كلم يوسف الملك الذي فوقه [ ص: 200 ]
فخرج هو والملك يتلقونهم فلما لقيهم قال : ( ادخلوا مصر إن شاء الله آمنين ) ، فلما دخلوا على يوسف آوى إليه أبويه أباه وخالته ورفعهما ( على العرش ) ، قال : السرير فلما حضر يعقوب الموت أوصى إلى يوسف أن يدفنه عند إبراهيم وإسحاق ، فمات فنفح فيه المر ثم حمله إلى الشام وقال يوسف عليه السلام ( رب قد آتيتني من الملك ) إلى قوله : ( توفني مسلما وألحقني بالصالحين ) .
قال هذا أول نبي سأل الله الموت وأخرجه ابن عباس ، ابن جرير مفرقا في السورة . وابن أبي حاتم
وأخرج ثنا ابن جرير ثنا وكيع عمرو بن محمد العنقزي عن أسباط عن . السدي
وقال حدثنا ابن أبي حاتم عبد الله بن سليمان بن الأشعث ثنا [ ص: 201 ]
الحسين بن علي ثنا عامر بن الفرات عن أسباط عن به . السدي
وأخرج ، ابن أبي حاتم ، عن وأبو الشيخ في قوله : ( قتادة إذ قالوا ليوسف وأخوه ) يعني بنيامين وهو أخو يوسف لأبيه وأمه ، وفي قوله : ( ونحن عصبة ) قال العصبة ما بين العشرة إلى الأربعين .
وأخرج ، ابن جرير ، عن وأبو الشيخ في قوله : ( ابن زيد ونحن عصبة ) قال : العصبة الجماعة ، وفي قوله : ( إن أبانا لفي ضلال مبين ) قال : لفي خطأ من رأيه .