قوله عز وجل: إنما الصدقات للفقراء والمساكين اختلف أهل العلم فيها على ستة أقاويل: أحدها: أن المحتاج المتعفف عن المسألة. الفقير المحتاج السائل ، قاله والمسكين: ابن عباس والحسن وجابر وابن زيد والزهري ومجاهد وزيد. والثاني: أن الفقير هو ذو الزمانة من أهل الحاجة ، والمسكين: هو الصحيح الجسم منهم ، قاله . والثالث: أن الفقراء هم قتادة المهاجرون ، والمساكين: غير المهاجرين ، قاله الضحاك بن مزاحم وإبراهيم. والرابع: أن الفقير من المسلمين ، والمسكين: من أهل الكتاب ، قاله . والخامس: أن الفقير الذي لا شيء له لأن الحاجة قد كسرت فقاره ، والمسكين الذي له ما لا يكفيه لكن يسكن إليه ، قاله عكرمة . وقال الشافعي رضي الله عنه: ليس المسكين الذي لا مال له ولكن [ ص: 375 ] المسكين الأخلق الكسب. قال عمر بن الخطاب الأخلق المحارف عندنا وقال الشاعر: ابن علية:
لما رأى لبد النسور تطايرت رفع القوادم كالفقير الأعزل
والسادس: أن الفقير الذي له ما لا يكفيه ، والمسكين: الذي ليس له شيء يسكن إليه قاله . ثم قال: أبو حنيفة والعاملين عليها وهم السعاة المختصون بجبايتها وتفريقها قال الشاعر:
إن السعاة عصوك حين بعثتهم لم يفعلوا مما أمرت فتيلا
وليس الإمام من العاملين عليها ولا والي الإقليم. وفي منها قولان: أحدهما: الثمن ، لأنهم أحد الأصناف الثمانية ، قال قدر نصيبهم مجاهد . والثاني: قدر أجور أمثالهم ، قاله والضحاك عبد الله بن عمر. والمؤلفة قلوبهم وهم قوم كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يتألفهم بالعطية ، وهم صنفان: مسلمون ومشركون. فأما المسلمون فصنفان: صنف كانت نياتهم في الإسلام ضعيفة فتألفهم تقوية لنياتهم ، كعقبة بن زيد وأبي سفيان بن حرب والأقرع بن حابس والعباس بن مرداس. وصنف آخر منهم كانت نياتهم في الإسلام حسنة فأعطوا تألفا لعشائرهم من المشركين مثل ويعطى كلا الصنفين من عدي بن حاتم. وأما المشركون فصنفان: صنف يقصدون المسلمين بالأذى فيتألفهم دفعا [ ص: 376 ] لأذاهم مثل سهم المؤلفة قلوبهم. ، وصنف كان لهم ميل إلى الإسلام تألفهم بالعطية ليؤمنوا مثل عامر بن الطفيل وفي تألفهم بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم بالسهم المسمى لهم من الصدقات قولان: أحدهما: يعطونه ويتألفون به ، قاله صفوان بن أمية. وطائفة. والثاني: يمنعون منه ولا يعطونه لإعزاز الله دينه عن تألفهم ، قاله الحسن ، وكلا القولين محكي عن جابر وقد روى الشافعي. قال: قال حسان بن عطية رضي الله عنه وأتاه عمر عيينة بن حصن يطلب من سهم المؤلفة قلوبهم فقال قد أغنى الله عنك وعن ضربائك. وقل الحق من ربكم فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر [الكهف: 29 ] أي ليس اليوم مؤلفة. وفي الرقاب فيهم قولان: أحدهما: أنهم المكاتبون ، قاله رضي الله عنه علي بن أبي طالب . والثاني: أنهم عبيد يشترون بهذا السهم قاله والشافعي ابن عباس . ومالك والغارمين وهم الذين عليهم الدين يلزمهم غرمه ، فإن ادانوا في مصالح أنفسهم لم يعطوا إلا مع الفقر ، وإن ادانوا في المصالح العامة أعطوا مع الغنى والفقر. واختلف فيمن على ثلاثة أقاويل: أحدها لا يعطى لئلا يعان على معصية. والثاني: يعطى لأن الغرم قد وجب ، والمعصية قد انقضت. والثالث: يعطى التائب منها ولا يعطى إن أصر عليها. ادان في معصية وفي سبيل الله هم مع الغنى والفقر. الغزاة المجاهدون في سبيل الله يعطون سهمهم من الزكاة وابن السبيل فيه قولان: أحدهما: هو المسافر لا يجد نفقة سفره ، يعطى منها وإن كان غنيا في بلده ، وهو قول الجمهور. والثاني: أنه الضيف ، حكاه ابن الأنباري.