قوله تعالى: والسارق والسارقة فاقطعوا أيديهما وهي في قراءة والسارقون والسارقات فاقطعوا أيمانهما. إنما بدأ الله تعالى في السرقة بالسارق قبل السارقة ، وفي الزنى بالزانية قبل الزاني ، لأن حب المال على الرجال أغلب ، وشهوة الاستمتاع على النساء أغلب ، ثم جعل حد السرقة قطع اليد لتناول المال بها ، ولم يجعل حد الزنى قطع الذكر مع مواقعة الفاحشة به ، لثلاثة معان: أحدها: أن للسارق مثل يده التي قطعت فإن انزجر بها اعتاض بالثانية ، وليس للزاني مثل ذكره إذا قطع فلم يعتض بغيره لو انزجر بقطعه. والثاني: أن الحد زجر للمحدود وغيره ، وقطع اليد في السرقة ظاهر ، وقطع الذكر في الزنى باطن ، والثالث: أن في قطع الذكر إبطال النسل وليس في قطع اليد إبطاله. وقد قطع السارق في الجاهلية ، وأول من حكم بقطعه في الجاهلية عبد الله بن مسعود: الوليد بن المغيرة ، فأمر الله تعالى بقطعه في الإسلام ، فكان [ ص: 36 ] صلى الله عليه وسلم في الإسلام أول سارق قطعه رسول الله الخيار بن عدي بن نوفل بن عبد مناف ، ومن النساء مرة بنت سفيان بن عبد الأسد من بني مخزوم ، وقال: فاطمة لقطعت . وقطع لو كانت عمر ابن سمرة أخا عبد الرحمن بن سمرة. حق الله تعالى لا يجوز والقطع في السرقة ، العفو عنه بعد علم الإمام به صفوان حين أمر بقطعه ، فقال صفوان: قد عفوت عنه ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (هلا قبل أن تأتيني به؟ لا عفا الله عني إن عفوت . وروي أن لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم في سارق رداء أتي بلصوص فقطعهم حتى بقي واحد منهم فقدم ليقطع فقال معاوية بن أبي سفيان
يميني أمير المؤمنين أعيذها بعفوك أن تلقى مكانا يشينها يدي كانت الحسناء لو تم سبرها
ولا تعدم الحسناء عابا يعيبها فلا خير في الدنيا وكانت حبيبة
إذا ما شمالي فارقتها يمينها
فقال كيف أصنع وقد قطعت أصحابك ، فقالت أم السارق: يا أمير المؤمنين اجعلها من ذنوبك التي تتوب منها ، فخلى سبيله ، فكان أول حد ترك في الإسلام. ولوجوب القطع مع ارتفاع الشبهة شرطان هما: الحرز والقدر ، وقد اختلف الفقهاء في قدر ما تقطع فيه اليد خلافا ، كتب الفقه أولى. واختلف أهل التأويل حينئذ لأجل استثناء القطع وشروطه عمن سرق من غير حرز أو سرق من القدر الذي تقطع فيه اليد في قوله تعالى: معاوية: والسارق والسارقة فاقطعوا أيديهما هل هو عام خص؟ أو مجمل فسر على وجهين. أحدهما: أنه العموم الذي خص. والثاني: أنه المجمل الذي فسر. [ ص: 37 ] ثم قال تعالى: جزاء بما كسبا فاختلفوا على مذهبين: أحدهما: أنه لا غرم ، وهذا قول هل يجب مع القطع غرم المسروق إذا استهلك والثاني: يجب فيه الغرم ، وهو مذهب أبي حنيفة. وذكر الشافعي. أن هذه الآية نزلت في الكلبي طعمة بن أبيرق سارق الدرع. قوله تعالى: فمن تاب من بعد ظلمه وأصلح فإن الله يتوب عليه في ها هنا قولان: أحدهما: أنها كالتوبة من سائر المعاصي والندم على ما مضى والعزم على ترك المعاودة. والثاني: أنها الحد ، وهو قول التوبة . وقد روى مجاهد قال: عبد الله بن عمرو سرقت امرأة حليا فجاء الذين سرقتهم فقالوا: يا رسول الله سرقتنا هذه المرأة ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (اقطعوا يدها اليمنى فقالت المرأة: هل لي من توبة؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أنت اليوم من خطيئتك كيوم ولدتك أمك فأنزل الله تعالى: فمن تاب من بعد ظلمه وأصلح فإن الله يتوب عليه قوله تعالى: يعذب من يشاء ويغفر لمن يشاء فيه تأويلان: أحدهما: يغفر لمن تاب من كفره ، ويعذب من مات على كفره ، وهذا قول الكلبي.
الثاني: يعذب من يشاء في الدنيا على معاصيهم بالقتل والخسف والمسخ والآلام وغير ذلك من صنوف عذابه ، ويغفر لمن يشاء منهم في الدنيا بالتوبة واستنقاذهم بها من الهلكة وخلاصهم من العقوبة. [ ص: 38 ]